الذي أمكن منك يا عدو الله وعدو أوليائه، لقد أهلكت من بني آدم طوائف لا يعلم عددها إلا الله، فيقول: من الرجل؟ فيقول: أنا فلان ابن فلان من أهل حلب. كانت صناعتي الأدب أتقرب به إلى الملوك، فيقول بئست الصناعة إنها تهب غفة من العيش لا يتسع بها العيال، وإنها لمزلة القدم وكم أهلكت مثلك، فهنيئا لك إذ نجوت، فأولى لك ثم أولى لك، وان لي إليك حاجة فان قضيتها شكرتك يد المنون، فيقول: إني لا اقدر لك على نفع، فان الآية سبقت في أهل النار، اعني قوله تعالى (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا أن الله حرمها على الكافرين) فيقول: إني لا أسألك في شيء من ذلك ولكن أسألك عن خبر تخبرنيه، أن الخمر حرمت عليكم في الدنيا وأحلت لكم في الآخرة، فهل يفعل أهل الجنة بالولدان المخلدين فعل أهل القريات؟ فيقول: عليك البهلة، أما شغلك ما أنت فيه؟! أما سمعت قوله تعالى (لهم فيها أزواج مطهرة وهم خالدون). .؟
فيقول: وان في الجنة لأشربه كثيرة غير الخمر فما فعل بشار ابن برد؟ فان له عندي يدا ليست لغيره من ولد آدم، كان يفضلني دون الشعراء، وهو القائل
إبليس افضل من أبيكم آدم ... فتبينوا يا معشر الأشرار
النار عنصره وآدم طينة ... والطين لا يسمو سمو النار
(لقد قال الحق: ولم يزل قائله من الممقوتين)
في تلك الصورة الهازئة الساخرة يرسم لنا المعري إبليس تضربه المقامع. ويضطرب في الأغلال وهو لا يني يسأل ابن القارح تلك الأسئلة السفسطية من ناحية، البذيئة من ناحية أخرى. ولكن المعري جمع به خياله في تلك الليلة النبوية فتكشف عما ترى
ودانتي بماذا وصف إبليس؟ وماذا تخير له من طبقات الجحيم؟ وعماذا سأله؟
لقد تخيله تعصف به الثلوج في ظلمات السعير. ويهلكه لزمهرير في الهاوية. وهو فيما بين الثلوج والعواصف كطاحونة الهواء تقلبه الرياح كيفما أرادت.
ثم اختار له الدرك التاسع من جهنم وهو اسفل طبقتها واشدها هولا وبلاء.
ولم يسأله في الأدب ولا عن أحد الشعراء ولا عن أحكام تحليل وتحريم. ولم يكن له سعة اطلاع المعري حتى يدخل في نحو ذلك النقاش. بل انساق يعلل ما أحاط به من عذاب اليم