ها نحن أولاً جلوس حجرة الاستقبال (الصالون) بكلية الآداب بالشاطئ بالإسكندرية وقد تعددت اللهجات، كل جاء يحمل مشعلاً ليشترك في إشعاع الضوء من الكوكب الدري الذي مرت على ضوئه غيوم خفيفة حجبت نوره فترة من الزمن، وإن لم يفقد الضياء.
وها نحن أولاً نشم عبير الهواء محملاً برائحة (اليود) فتسري في أرواحنا نشوة نشاط، ونرى الأمواج تسرع متسابقة متلاحقة يستخفها الفرح والسرور كأنها ترحب بناء. لقد دار الزمن دورته واجتمعت وفود العرب في الإسكندرية التي كانت مهد الثقافة العربية ومتلقى العلماء من كل فوج.
لقد اجتمعت وفودنا نحن العرب لنتباحث في أحسن الوسائل العلمية التي تساعد على نشر الثقافة العربية. لقد جرف الشرق تيار قوى الموج يحمل معه زيف المدينة والحضارة وجرفنا نحن العرب أمامه، وما زال يدفعنا ولما نستطيع الرجوع ضد التيار بعد. قام كل من المصلحين أو الداعين إلى الإصلاح يدلي برأي؛ فمن قائل: يجب أن نعني بالتراث القديم، ونحي ذكر العلوم العربية القديمة وتخرج كنوزها ونبتعد عن الثقافة العربية، ونسي أنه لكي نكون مثقفين يجب ألا نغلق عقولنا على ثقافة واحدة، وأن نأخذ الخير من الثقافات الغربية لتكون بمثابة طعم لثقافتنا. لقد سلكت وزارات المعارف العربية طرقاً شتى في وضع برامج مختلفة تغيرت مرات كثيرة تبعاً للظروف السياسية وما تقتضيه سياسة الاستعمار أو ما حظيت به بعض الشعوب من استقلال.
وها قد اجتمعت وفودهم اليوم ليوحدوا برامج التعليم ونسوا أن هذه فكرة مستحيلة؛ إذ أنه لكي تكون الفائدة من العلم محققة يجب أن يتمشى مع عادات كل أمة وتقاليدها وما تقتضيه مصالحها ونواحي الحياة الاجتماعية والسياسية فيها. إن البلد الواحد يجب أن ينوع فيه التعليم حسب الأقاليم؛ فمثلاً البلاد الزراعية يجب أن يعم فيها التعليم الزراعي، وفي المدن الصناعية يجب أن يعمم التعليم الصناعي، وهكذا.
ولكني أرى أن الفائدة الحقة من العلم والثقافة بوجه عام هي أن يكون علماً تربوياً وثقافة سلوكية؛ أي نعني بتربية أبنائنا التربية الحقة التي تتناول كل مرافق الحياة من النواحي