وإن أشنع أنواع النقد النقد السلبي الهدام الذي يترك الفنان يعاني شعوراً أليماً يظن معه أنه يحارب عالماً بأجمعه، عالماً ليس يكره إنتاجه فحسب، بل يكره الطموح الذي دفع إلى وضعه. ومن هذا النوع نقد جيفورد الشهير للشاعر كيتس فلقد أوحى جيفورد في نقده أن من الخير لكيتس أن ينقطع عن نظم الشعر جملة واللجوء إلى مهنة شريفة كأن يصبح مثلاً مساعداً لصيدلي. ويحضرني في هذه المناسبة النقد العنيف الذي وجهه ابن سينا للفيلسوف البغدادي أبي الفرج الجاثوليق حين قال:(من حق تصنيفه أن يرد على بائعة ويترك عليه ثمنه).
وفي هذه الحالة يرى الناقد أن لا شيء خير من شيء ما؛ فخير لرسام أظهر لوحة فنية لو أنه لم يرسمها. غير أن الاعتقاد الصحيح الذي لا جدال فيه لدى كل عقل مبدع، مهما استبدت به السذاجة، أن عكس ذلك هو الصحيح. ولذا كان العقل الخلاق ولا يزال وسيظل على مدى العصور في صراع دائم مع العقل الهدام.
وكي أوفى البحث حقه أقرر من جديد أن من واجب الناقد ألا ينصب نفسه حاكماً يجلس إلى منصة القضاء ينزل العقوبات بالناس كي يحول دون اقترافهم الجرائم. وأحرى به أن يكون كالداخل إلى معرض الزهور، يقابل بين أنواعها باحثاً عن الحسنات والسيئات، مظهراً إعجابه بالمحاسن ومانحاً بعض الحواجز لأصحابها، غير كاتم استياءه من هبوط المستوى حيث تغلب العيوب على المحاسن. وعليه قبل كل ذلك كله أن يؤمن بأن شيئاً ما خير من لا شيء، وأن الجهود الخلاقة مهما كانت متواضعة، خير من لا شيء، وأن الرغبة في الإبداع فضيلة في حد ذاتها، والرغبة في الهدم لأكبر جريمة لا تغتفر.