عاشت المدرسة الابتدائية في عالم من خيال تتقاذفها صور الكآبة والحنين واليأس، ويشق الاغتراب الروحي طريقه الى نفوس كتابها، فلجوا بدورهم في دنيا من ضباب، وسلكوا في اساليبهم مسلكا تشيع منه الاحزان والمشاعر النفسية المضطربة. ولعل (هوجر) خير من يمثل هذا المذهب الفني الادبي.
وكرد فعل لهذه المدرسة التي غالت في الخيال برزت المدرسة الواقعية في ميدان الادب، وسرعان ما سارت في هذا الميدان واتجه اليها كثير من الادباء اتجاها فنيا صادقا يتمشى مع روح الواقعية الحقة بينما سلك اخرون سبيلا ملتوية، لا تمت الى الواقعية الفنية بصلة. ومن اثارها ذلك الانتاج الغزير الذي (تقذفه) الينا الصحف والمجلات، وبخاصة تلك الصحف التي تبغي الكسب المادي. وكثر انصار هذه الواقعية الحمقاء التي تتجسم بنقل الواقع (فوتوغرافيا) جافا جامدا كما تتمثل بتلك اللغة الهزيلة حتى ذهب بعضهم الى الالتجاء للغة العامية، الا ان حقيقة هذا المذهب الادبي غير ما يرى هذا الفريق؛ فالفنان كما يقول توفيق الحكيم ليس بمحرر تقارير، وانما هو محرر عواطف. وليست الامانة المطلوبة منه نقل الاحداث دون المشاعر والعواطف، فالواقعية كما يرى جبهاميل ليست بالواقعية الفوتوغرافية التي لا يخرج عملها عن عمل الة التصوير التي (كلفت) بالتقاط الواقع بحركة الية عمياء جافة. ولعل الذي دفعني الى كتابة هذه العجالة تلك المسالك السود، وغدا ادبهم لا يعدو تلك (اللقمة) التي تتربع على مائدة الطعام، او تلك الصور التي يشيع فيها التشاؤم والرعب من الحياة.
الواقعية الفنية لا تبعدنا عن حياتنا ـ كما يظن ـ بل هي الواقع المحس قد داعبته انامل الفنان، وقد يرسم الفنان ـ الشاعر او القصاث ـ صورا ماثلة في الواقع، واقعة حقا، وقد لا تكون كذلك كما لا يلزمنا ان تكون تلك الصورة المنقولة صورة سامية حسنة جميلة، بل كل ما يطلبه الفن نقل الصورة نقلا فنيا، وكل ما يطلبه الواقع نقلها بامانة. واذاصهرنا مطاليب الفن ومطاليب الواقع ـ في بوتقة واحدة ـ ظهر لنا (الادب الواقعي الفني) الذي هو نفسه الادب المصور المؤثر.