للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويحضرني الان راى للاستاذ المعداوي نشره في تعقيباته في عدد الرسالة الفائت اذ قال: الواقعية ضربان، واقعية اولى ويكون فيها نموذج الشخصية موجودا (بالفعل) في الحياة، والواقعية الثانية، ويكون فيها نموذج الشخصية موجودا (بالامكان). ولم يقف الاستاذ المعداوي عند هذا الحد، انما ذهب الى تعريف الواقعية الاولى فقال (هي نقل مباشر لصور الحياة وطبائع الاحياء، كما هي في الواقع المحس الذي تلمسه العين وتألفه النفس) ولو وقف الاستاذ عند قوله: (انها نقل مباشر لصور الحياة وطبائع الاحياء) لهان الخطب وما جعل ذلك النقل مقيدا (بما تلمسه العين وتألفه النفس) كما انه لو احترس الاستاذ في قوله وقال: (انها نقل مباشر لصور الحياة وطبائع الاحياء كما هي في الواقع المحس الذي تلمسه عين الفنان وتألفه نفسه) بدلا من اطلاق (العين والنفس) التي تدعو الى جعل الفن ضربا من ضروب العبث، كما يجعل ـ هذا الاطلاق نفسه ـ الفنان والرجل العادي في كفة متساوية من حيث الاحساس، اقول لو قال الاستاذ (عين الفنان ونفسه) لسهل الامر ومادعانا الى الولوج في دهاليز الظلمة والجهل، وهو يقصد الايضاح والاعلام. ورأى الاستاذ المعداوي ايضا يبعث الينا من جديد تلك الصفعة التي وجهها افلاطون لفن الشعر، كما يعيد الينا صدى العبارة اليونانية التي تقول: (ان الفن تقليد للطبيعة) والتي استغلها افلاطون نفسه للطعن في الشعر، وبودنا لو استطاع الاستاذ انور المعداوي ان يجيب على هذه الاسئلة التي (تقلق) بالى في تعريفه الذي ذكرته، واول ما يتلقانا من الاسئلة هذا السؤال، اذا كانت الواقعية نقلا مباشرا لصور الحياة التي تلمسها العين وتألفها النفس، فما فائدة هذا النقل اذن؟ وما فائدة تلك الصورة (المقلدة) للواقع ما دمنا نستطيع النظر الى الاصل نفسه؟ بل، ما فائدة الفن اذا كان نقلا مباشرا لما تألفه النفس وتلمسه العين؟. . .

يقول افلاطون: ان عناية الرجل العاقل تنصب في الوصول الى الحقيقة، لذا كانت عنايتنا بالاشياء، لانها ممثلة للحقيقة. وتكتسب هذه الاشياء حقيقتها من الافكار التي تمثلها. فالمصور يقلد الاشياء، والاشياء بدورها تمثل الافكار، والافكار هي الحقيقة، فيكون اتصال الفنان المصور بالحقيقة اتصالا بعيدا عنها بثلاثة مراتب. ولما كان الشاعر يقلد اعمال الناس وظواهر الامور فعمله هذا بعيد عن الحقيقة بمرتبتين، فالفن اذن ـ على هذا الرأى ـ ضرب من العبث ما دام يبعدنا عن الحقيقة، والرجل العاقل لا ينشد ذلك. ولو كان الفن

<<  <  ج:
ص:  >  >>