للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اللغة الفرنسية في مصر]

للأستاذ محمد زيتون

اللغة الفرنسية أو اللغة الأوربية الإضافية في مصر هي العامل المساعد للاستعمار الإنكليزي في الشرق! فمنذ داعبت نابليون أحلام الإمبراطورية الفرنسية، شرع في احتلال مصر وهي (تاج العلاء في مفرق الشرق) كما يقول شاعر النيل.

وتعاقدت إنكلترا وفرنسا سنة ١٨٩٠ على اقتسام مناطق الاستعمار فيما بينهما بحيث تطلق إحداهما يد الأخرى في الأمم المستضعفة تفعل بها ما تشاء، فلما أعلنت إنكلترا الحماية على مصر سنة ١٩١٤ لم تشأ إلا أن تترك لفرنسا دورا ثانويا في مصر، إذ جعلت لغتها إضافية إلى جانب الإنجليزية العتيدة بينما خلا لفرنسا الجو في سوريا ولبنان وتونس والجزائر ومراكش والمستعمرات الأفريقية.

ومنذ يومئذ واللغة الفرنسية تؤدي دورها في الحدود المرسومة، حتى تمكنت من جعل الزعماء أداة طيعة للاستعمار يستسيغونه في يسر ويجترونه في غير عناء، وما كان ذلك ليكون لو إن الزعامة قائمة على رصيد شعبي.

ومن الألاعيب الإنجليزية الفاجرة توزيع الاستعمار الثقافي بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية بغية الفتنة، ورجاء تحويل الأنظار عن التراث العربي والمجد الإسلامي، وكأنما كتب على المصريين أن يتعلموا هاتين اللغتين ولا مفر من ذلك؛ كما لا مفر من القضاء والقدر.

غير إن القومية المصرية كانت قد تبلورت تماما، فلما اصطرعت مع الاستعمار الفرنسي صمدت له، وردته في قوة وإباء. وكان نابليون أول من فطن إلى هذه الحقيقة؛ إذ كتب في تعليماته للقائد كليبر (إن من يكسب ثقة كبار المشايخ في القاهرة يضمن ثقة الشعب المصري) وكذلك بوسيلج في تقريره إلى الحكومة الفرنسية إذ يقول فيه (إن اختلاف العادات - وأهم منه اختلاف اللغة وخاصة اختلاف الدين - كل ذلك من العقبات التي لا يمكن تذليلها والتي تحول دون إيجاد صلات الود بيننا وبين المصريين. .)

فالدين واللغة والعادات في مصر هي الأثافي الثلاث التي لم يستقر عليها قدر الاستعمار الفرنسي، فأنهار ولم يعد له قرار، ولا سيما بعد إفلاس الحملة من كسب ثقة الشعب ممثلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>