للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشعلة المنقذة]

لمكسيم جوركي

للأستاذ محمد خليفة التونسي

(إلى الأبطال الذين يضحون بأنفسهم في الوقت المناسب

ليصونوا قومهم من الانهيار: أهدي هذه القصة آية تقدير

وإعجاب)

(م. خ. ا)

منذ عهد سحيق كانت إحدى القبائل الرحالة تضرب خيامها في بقعة مجهولة تحدق بها غابات ألفاف، لكنها تنحسر عن هذه البقعة في جهة من جهاتها، فتمتد أمامها في تلك الثغرة سهول فسيحة.

كان أفراد تلك القبيلة يمتازون بالقوة والبسالة، كما يمتازون إلى جانب ذلك بالقناعة، فأقاموا ما أقاموا في تلك البقعة وهم ينعمون ببسطة العيش ورغده. وذات يوم هاجمتهم قبائل آخر أقوى منهم بطشاً وأشد عتياً، فأجلتهم عن منازلهم إلى غابة هي أكثف الغابات، وآسها ماء، وأحلكها ظلاماً. فقد كانت فروع الأشجار في تلك الغابة التي نزحوا إليها قد مرت عليها العصور تلو العصور وهي تمتد وتتشابك حتى حجبت ما بين الأرض والسماء، حتى أن الشمس كانت إذا طلعت عليها لم تنفذ منها إليها إلا أشعة ضئيلة، وكانت هذه الأشعة إذا هبطت على المستنقعات نفثت أبخرة قاتمة كأنها السموم.

تتابعت النكبات على القبيلة، فكان أفرادها يتساقطون تحت أثقالها هالكا إثر هالك، ودب الملل إلى نفوس النساء والولدان، وران الألم على قلوبهم فضجوا بالشكوى والبكاء مما هم فيه، وتنادوا إلى الآباء والأزواج أن يخرجوهم من هذه الغابة المنكودة التي تورطوا فيها مؤثرين الموت خارج الغابة على الموت انتظاراً فيها

كانت عزائم الرجال منحلة، وقلوبهم قد أشربت اليأس بما تتابع عليها من الأرزاء، ففقدوا كل أمل في النجاة من مصيرهم المشؤوم. ولقد فكروا ثم لم يقعوا على وسيلة للنجاة، وكانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>