كلما تعبت الإنسانية أو جثمت على صدرها الهموم والآلام، لجأت إليك يا ألف ليلة الحبيب تخدر بك أعصابها المنهوكة، وتحسو من نهر أحلامك تلك الجرعة السحرية العجيبة، فتستسلم للأحلام. . .
أنت أيها الأغنية الخالدة التي تترقرق في أرواح المحزونين ما أبدع شاديك وما أملأ بالفتنة ناديك!
لله حورياتك التي تثب كالقطا نحو أبواب الشرق بعد إذ فتحت أكمام الورد، وغسلت بالندى أحداق النرجس، ووسوست في صدر العرائس، وأيقظت الحياة في القرية الحالمة، وداعبت كل أم بالأماني، وجمشت الديكة فأطلقت حناجرها للريح تتأذن للشمس أن تشرق، وللبدر أن يغيب، وللأنجم الظالمة أن تغرق في فيض الضوء الذي يفتر عنه فم الصباح!
لله عذاراك يا ألف ليلة الحبيب! إن في عيونهن كحل الشرق، وفي وجوههن صباحته التي لا تعرف الدمام! إنهن يسبحن فوق السحاب الموشى بأجنحة من ذهب لا ثقل له. . . لأنه ذهب مما تصب سبائكه أخيلة الشعراء والحالمين والظامئين، تلك الأخيلة التي تصنع الطوبى، وتنبت الجنان، وترسل الألحان الصامتة، وتنحت التماثيل الحية، وتفرش أديم الأرض الطيبة بأوراق الورد والبنفسج، وتفجر فيها أنهار المعرفة، وتعطر نسيمها بعبق الزنبق، وتملأ أرجائها بألسن الموسيقا، وتبنى فيها القصور للعشاق والمحبين من البلور واللؤلؤ المنثور. . .
أملأ كأسك السحرية يا ألف ليلة الحبيب لتشرب الإنسانية المتعبة نخب أحلامك. . . إنها تود أن تنام فلا تصحو. . . إن الأشباح الكريهة الشائهة قد ملأت عليها عالم الحقيقة، وهجمت عليها فجأةً من الغابة المظلمة الفاحمة أفاعي الأحقاد. . . هاهي ذي الضباع الجائعة التي أصابها السعار تنوشها من كل فج، وتتلقفها في كل مكان. . . في البحر. . . في البحر. . . في الهواء. . . تحت الماء. . . في المخابئ. . . في الخنادق. . . في البروج المشيدة. . . في البيداء. . . في القرية. . . في المدينة. . . في كل مكان يا ألف ليلة الحبيب تجد الإنسانية الأشباح ذات الظفر والناب. . . أشباح السباع والضباع