يشعر كل امرئ منا بأنه خاضع في نفسه، وفي نظام بيئته، وفي دائرة عمله، وفي كل ناحية من نواحي حياته ونشاطه إلى عادات متنوعة تتحكم فيه، وتفرض عليه سلطانها الجبار وإرادتها القاهرة، وتطبعه بطابعها من حيث يريد أو لا يريد.
يشعر كل منا بذلك في نفسه، ويشعر به في الناس من حوله لا فرق فيه بين طبقة وطبقة، ولا بين بيئة وبيئة، ولا يختلف فيه غنى عن فقير، ولا كبير عن صغير، ولا متعلم عن جاهل.
في الطعام والشراب عادات، وفي اللباس والزي عادات، وفي الجلوس إلى الناس والتحدث معهم عادات، وفي البيت عادات، وفي الطريق عادات. . . وهكذا
وإننا لننتهز فرص الأيام والحوادث، والأعياد والمواسم فنتخذ منها مناسبات لعادات شتى نحافظ عليها ولا نتسامح فيها، وربما عددناها من شعائرنا، وحسبناها من تقاليد ديننا!
هذه فطرة في الإنسان لا بد له منها بقطع النظر عن شريف العادات وذميمها. قضت بذلك حكمة العليم الخبير، ليكون الاستقرار والهدوء، ولتتركز شؤون الحياة، ولينجو الناس من الاضطراب والمفاجآت وأخطار التقلب السريع والتطوير العنيف لذلك يجب أن يدخل في حساب كل مصلح ما للعادات من سلطان على النفوس، ورسوخ في الأذهان، واستقرار في المجتمع ولكن بجانب هذه الفطرة في الإنسان طبيعة أخرى هي طبيعة هذه الحياة نفسها، أن الحياة تأبى الركود، ولا يصلح معها الجمود، ولا بد لمن في سبيل الرقي والكمال؛ فإذا ظل الإنسان عبدا لعاداته، رازحا تحت سلطانها، لا يفكر في التحول عن نظامها المفروض قيد شعرة، بل ينقد غيره ويعنف عليه في النقد إذا رآه يفكر في التحويل أو يدعو إليه، ويقف في سبيل دعوات الإصلاح والتجديد لاوياً عنقه، مثيراً المشاكل، فإنه يكون محتقرا لإنسانيته ملغيا لعقله جاهلاً بالحياة وما ينبغي للحياة!
وإذا أصرت طائفة من الناس على أن نصادر دعوات الإصلاح في دائرتها، أو على أن تقف في طريق الحياة العاملة الناصبة المنتجة المجددة في غير دائرتها لمجرد المحافظة