أما صاحب القلب المسكين فقام ليخرج، وقد تفارطته الهموم وتسابقت إليه فانكسر وتفتّر؛ وكأنما هو قد فارق صاحبته باكياً وباكيةً من حيث لا يرى بكاءه غيرها ولا يرى بكاءها غيره
ورأيته ينظر إلى ما حوله كأنما تغشَّى الدنيا لون نفسه الحزينة إذ كانت نفسه ألفت ظلَّها على كل شيء يراه؛ وجعل يدلف ولا يمشي كأنه مثقلٌ بحمل يحمله على قلبه
إنه ليس أخفُّ وزناً من الدمع، ولكن النفوس المتألمة لا تحمل أثقل منه، حتى لينتثر على النفس أحياناً وكأنه وكأنها بناءٌ قائم يتهدَّم على جسم. وبعض التنهدات - على رقتها وخفتها - قد تشعر بها النفس في بعض همها كأنها جبل من الأحزان أخذته الرجفة فمادت به، فتقلقل، فهو يتفلّق ويتهاوى عليها
آه حين يتغير القلب فيتغير كل شيء في رأي العين. لقد كان صاحبنا منذ قليل وكأن كل سرور في الدنيا يقول له: أنا لك؛ فعاد الآن وما يقول لك أنا لك إلا الهم؛ والتقى هو والظلام والعالم الصامت
جعل يدلف ولا يمشي كأنه مثقل بحمل يحمله على قلبه. ومتى وقع الطائر من الجو مكسور الجناح انقلبت النواميس كلّها معطلة فيه، وظهر الجو نفسه مكسوراً في عين الطائر المسكين، وتنفصل روحه عن السماء وأنوارها حتى لو غمره النور وهو ملقىً في التراب لأحسَّه على التراب وحده لا على جسمه
ثم خرجنا فانتبه صاحبنا مما كان فيه؛ وبهذه الانتباهة المؤلمة أدرك ما كان فيه على وجه آخر فتعذَّب به عذابين: أما واحد فلأنه كان ولم يدم؛ وأما الآخر فلأنه زال ولم يعد. والسرور في الحب شيء غير السرور الذي يعرفه الناس، إذ هو في الأول روحٌ تتضاعف به الروح؛ فكل ما سرك وانتهى شعرت أنه انتهى؛ ولكن ما ينتهي من سرور العاشق المستهام يشعره انه مات، فله في نفسه حزن الموت وهمُّ الثكل؛ وله في نفسه همُّ الثكل وحزن الموت.
وينظر صاحب القلب المسكين فإذا الأنوار قد انطفأت في الحديقة، وإذا القمر أيضاً كأنما