كان فيه مسرح وأخذوا يطفئون أنواره.
كان وجه القمر في مثل حزن وجه العاشق المبتعد عن حبيبته إلى أطراف الدنيا. فكان أبيض أصفر مكمدا، تتخاذل فيه معاني الدموع التي يمسكها التجلد أن تتساقط.
كان في وجه القمر وفي وجه صاحبنا معاً مظهر تأثير القدر المفاجئ بالنكبة
وبدت لنا الحياة تحت الظلمة مقفرة خاوية على إطلالها فارغة كفراغ نصف الليل من كل ما كان مشرقاً في نصف النهار. يا لك من ساحر أيها الحبُّ! إذ تجعل في ليل العاشق ونهاره ظلاماً وضوءاً ليسا في الأيام والليالي.
أما الحديقة فلبسها معنى الفراق؛ وما أسرع ما ظهرت كأنما يبست كلها لتوّها وساعتها، وأنكرها النسيم فهرب منها فهي ساكنة؛ وتحولت روحها خشبيّة جافة، فلا نضرة فيها على النفس؛ وبدت أشجارها في الظلام قائمة في سوادها كالنائحات يلطمن ويولولن، وتنكر فيها مشهد الطبيعة كما يقع دائماً حين تنبت الصلة بين المكان ونفس الكائن فيه.
ماذا حدث؟
لا شيء إلا ما حدث في النفس؛ فقد تغيرت طريقة الفهم، وكان للحديقة معنى من نفسه فسلب المعنى، وكان لها فيض من قلبه فانحبس عنها الفيض، وبهذا وهذا بدت في السلب والعدم والتنكر، فلم يبق إيداعٌ في شيء مبدع، ولا جمال في منظر جميل.
أكذا يفعل الحب حين يضع في النفس العاشقة معنى ضئيلاً من معاني الفناء كهذا الفراق؟
أكذا يترك الروح إذا فقدت شيئاً محبوباً، تتوهم كأنها ماتت بمقدار هذا الشيء؟
مسكين أنت أيها القلب العاشق، مسكين أنت!
ومضينا فملنا إلى ندى نجلس فيه، وأردت معابثة صاحبنا المتألم بالحب، والمتألم بأنه متألم، فقلت له: ما أراك إلا كأنك تزوجتها وطلقتها فتبعتها نفسك
قال: آه. من أنا الآن؟ وما بال ذلك الخيال الذي نسّق لي الدنيا في أجمل أشكالها قد عاد فبعثرها؟ أتدري أن العالم كان في ثم أخذ مني فأنا الآن فضاء فضاء
قلت: أعرف أن كل حبيب هو العالم الشخصي لمحبه
قال: ولذلك يعيش المحب المهجور، أو المفارق، أو المنتظر وكأنه في أيام خلت؛ وتراه كأنما يجيء إلى الدنيا كل يوم ويرجع