لم يشهد العالم منذ مقتل الأرشيدوق فرنز فردينند ولي عهد الإمبراطورية النمسوية في يونيه سنة ١٩١٤، جريمة سياسية أشد روعة وأبعد أثراً من تلك الجريمة التي وقعت في التاسع من هذا الشهر في مرسيليا، والتي ذهب ضحيتها المرحومان الملك اسكندر ملك يوجوسلافيا، ومسيو لوي بارتو وزير الخارجية الفرنسية. وقد كان مقتل الأرشيدوق فرنز فردينند فاتحة الأزمة الدولية الخطيرة التي انتهت بنشوب الحرب الكبرى، وكانت من أسبابها المباشرة. ومن المحقق إن جريمة مرسيليا ستحدث أثرها في شئون يوجوسلافيا الداخلية، وفي سير السياسة الأوربية بوجه عام؛ ومن الصعب أن نقدر منذ الآن مدى هذه الآثار، وإن كنا نشهد منذ الآن نذرها ومقدماتها.
كان الاغتيال وما زال على مر العصور وسيلة لتحقيق مآرب السياسة. وجريمة الأمس جريمة سياسية وقومية كما كانت جريمة سنة ١٩١٤. وقد شهدت أوربا في العصر الحديث طائفة حافلة من الجرائم السياسية الرنانة؛ وكان الملوك، والملوك الطغاة بنوع خاص هدف هذه الجرائم، ولم تكن هذه الجرائم شخصية، ولم تقع على الملوك أو الطغاة لمجرد أشخاصهم، ولكن لأنهم يمثلون في نظر الجناة نظاماً أو فكرة لا تتفق مع مثلهم القومية أو الديموقراطية. وكانت (النهليزم) الروسية أعظم مصادر الوحي للقتل السياسي خلال القرن التاسع عشر؛ وفي ظلها وبتدبيرها ارتكبت عدة جرائم رنانة على أشخاص القياصرة وأعوانهم من الطغاة؛ وذهب ضحية هذه الجرائم قيصران: اسكندر الثاني سنة ١٨٨١، واسكندر الثالث سنة ١٨٨٥، وعدة من أكابر الحكام والساسة. ولما خبت ريح النهليزم في أواخر القرن الماضي خلفتها الدعوة اللاحكومية (الانارشي) في تنظيم الجريمة السياسية؛ وذهب ضحية هذه الدعوة عدة من الملوك والأكابر مثل كارنو رئيس الجمهورية الفرنسية، والإمبراطورة اليزابيث النمسوية، وماكفللي رئيس جمهورية الولايات المتحدة، ثم الملك