أومبرتو ملك إيطاليا الذي قتل سنة ١٩٠٠ بعد عدة محاولات دموية مروعة. ووقعت في الأعوام الأخيرة على الملوكية عدة محاولات جديدة دبرها اللاحكوميون أيضاً، كان منها الاعتداء الذي وقع على الفونسو الثالث عشر ملك أسبانيا السابق (سنة ١٩٢٦)، والاعتداء الذي وقع على جلالة ملك إيطاليا (سنة ١٩٢٨).
هذه أمثلة قليلة من ثبت القتل السياسي الحافل الذي شهدته أوربا في العصر الأخير. ولكن جريمة مرسيليا تختلف عما تقدم في ظروفها وبواعثها؛ فهي جريمة قومية عنصرية كما سنرى؛ وهي أثر بارز من آثار ذلك الصراع الجنسي الذي تضطرم به أمة ينقصها التناسق الجنسي، والتضامن القومي، وتمثل فيها اقليات قومية غير راضية عن مركزها ومصايرها؛ وهي كذلك أثر من آثار ذلك الطغيان الحديدي الذي تعيش في ظله يوجوسلافيا منذ ستة أعوام، والذي تشعر بوطأته الأقليات الساخطة بنوع خاص. والقاتل بتروس كاليمن كرواتي الأصل، ينتمي إلى الشعب الكرواتي، أو إلى تلك الأقلية القوية التي ترزح تحت حكم الأغلبية الصربية ولا تشعر نحوها إلا بعواطف الغيرة والسخط. وقد وقعت الجريمة المروعة في ظل هذه المعركة الجنسية المضطرمة، واندفع الجاني أو الجناة في طريقهم بوحي الفكرة الجنسية التي تسيطر على شعب يعتقد أنه مغبون مضطهد مسلوب الحقوق.
ويجب لكي نفهم ظروف الجريمة وبواعثها الحقيقية أن نعود بضعة أعوام إلى الوراء، ففي سنة ١٩٢٨، وقع الفصل الأول من حوادث هذه المأساة في بلغراد في بهو الجمعية الوطنية (اسكوبشتينا) ذاتها، وكان ذلك في مساء ٢٠ يونيه، وكانت المناقشة تدور حادة بين نواب الأكثرية من الصرب والسلوفين، ونواب الاقلية المعارضة، وهم نواب الشعب الكرواتي حول العلائق اليوجوسلافية الإيطالية وموقف الحكومة منها، وكانت المعارضة ممثلة في حزب الفلاحين الكرواتي ورئيسه استيفان رادتش زعيم كرواتيا الوطني، والحزب الديموقراطي المستقل وزعيمه بربتش فتش؛ فلم تلبث المناقشة أن تحولت إلى نوع من السباب والتراشق المقذع؛ وعندئذ نهض أحد نواب الحزب الراديكالي الصربي، وهو حزب الأغلبية أو حزب الحكومة، وأطلق الرصاص على مقاعد حزب الفلاحين فقتل من نوابه اثنان أحدهما بول رادتش قريب الزعيم رادتش وأحد أقطاب الحزب، وجرح ثلاثة آخرون منهم استيفان رادتش نفسه زعيم كرواتيا الوطني. ووقع على أثر هذه الجريمة المروعة