اضطراب لا يوصف في بلغراد وفي كرواتيا، وأوقفت جلسات الجمعية الوطنية واستقالت الوزارة القائمة، واستمرت الأزمة الوزارية نحو شهرين. ثم كانت الطامة الكبرى بوفاة استيفان راديتش زعيم كرواتيا متأثراً من جراحه بعد ذلك بأسابيع قلائل؛ فشيعه مواطنوه إلى قبره في مظاهرات فخمة مؤثرة تجلت فيها البغضاء الجنسية التي يضطرم بها الكرواتيون نحو الصربيين ونحو حكومة بلغراد.
كان لهذه الفاجعة الوطنية أثر عظيم في إذكاء الأحقاد الجنسية في مملكة يوجوسلافيا الجديدة، وهي أحقاد تقوم على تراث التاريخ، وتنافر العناصر التي تتألف منها. ذلك أن مملكة الصرب القديمة المتواضعة استحالت عقب الحرب الكبرى إلى مملكة جديدة تسمى مملكة الصرب والسلوفين والكروات؛ تضم مملكة الصرب القديمة، وأمارة الجبل الأسود، وسلوفينا، وكرواتيا، ودلماسيا، والبوسنة والهرسك، وبعض أنواع أخرى من إمبراطورية النمسا والمجر القديمة. والشعب الصربي هو الكثرة بين هذه الأجناس المتنافرة، وهو صاحب الحكم والسيادة، وإليه تنتمي الأسرة الملكية ومعظم الوزراء والحكام والقادة. وكانت كرواتيا أو بلاد الكروات بين الولايات الجديدة أشدها مراساً وأعرقها قومية وتعصباً. وتشغل كرواتيا نحو خمس المملكة الجديدة وعاصمتها (زغرب) أو (أجرام) مدينة قديمة سكانها نحو ربع مليون وبها جامعة. والكروات شعب جبلي فلاح ساذج يبلغ زهاء ثلاثة ملايين من مجموع قدره ثلاثة عشر مليوناً. وكان الشعب الكرواتي قبل الفتح التركي في القرن الخامس عشر يتمتع باستقلاله في ظل مملكة بلقانية قوية، ثم غدت كرواتيا كما غدت صربيا والمجر ولاية عثمانية، وضمت منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى النمسا والمجر. ولم ينس هذا الشعب الجبلي الوعر استقلاله ونزعته القومية، فكان في ظل الإمبراطورية النمسوية يجيش بالأماني الوطنية، ويطمح إلى الاستقلال الذاتي؛ ولم يقف إلى جانب آل هبسبورج أثناء الحرب إلا طمعاً في تحقيق شئ من أمانيه القومية. واستمرت تحفزه مثل هذه الأماني في ظل يوجوسلافيا الجديدة؛ وكان بطل كرواتيا الوطني استيفان رادتش رئيس حزب الفلاحين أقوى الأحزاب الكرواتية وأشدها نفوذاً؛ وكان هذا الزعيم القومي الذي كونه مزيج من الثقافات الألمانية والفرنسية والروسية يسيطر ببيانه الساحر وخلاله القوية على مواطنيه ويقودهم حيثما شاء؛ وكان حزب الفلاحين حتى سنة ١٩٢٥ جمهوري النزعة