وقف بنا صاحب العزة الأستاذ الجليل عبد الرحمن الرافعي بك منذ عام عند الرحلة الثامنة من مراحل تاريخنا القومي الحديث، بعد أن وضع بين أيدينا المجلدين العاشر والحادي عشر من معلمته التاريخية، وهما اللذان صور فيهما ثورة سنة ١٩١٩ أصدق تصوير، وما كان له أن يدعنا عند هذه الرحلة الخطيرة من تاريخنا حتى يظهرنا على ما وقع في أعقاب هذه الثورة من أحداث، وما تقلبت فيه من أطوار.
انفجرت براكين الثورة المصرية في عام سنة ١٩١٩ فانبعث فيها غضب أربعين سنة ذاقت فيها البلاد من ظلم الإنجليز ألواناً وأنواعاً، وقد وقفت الأمة في هذه الثورة صفاً واحداً كأنها بنيان مرصوص إذ كان الغرض الذي تجاهد من أجله واحداً وهو إسعاد مصر وتحريرها. وبحسبك أن تعرف أن هذه الثورة قد هزت أركان الأرض، والتفت إليها الدهر، وعلى زمجرة وعودها استيقظ الشرق كله ليأخذ في الحياة حقه ويسترد منها ملكه.
ظلت هذه الثورة بروعتها وجلالها عامين كاملين ثم دب إليها داء الشرق المستعصي على الدواء - داء التفرق - فانتقل الجهاد من الميدان القومي إلى الميدان الشخصي، وبعد أن كانت البلاد في ثورتها تسير على نهج مستقيم لا عوج فيه فإنها قد انقلبت في أعقاب الثورة تعتسف في سيرها ولا تتهدى إلى طريق يجمعها وظلت أكثر من خمس سنين على اعوجاجها ثم فاءت إلى رشدها فجمعت شملها ولكنها لم تلبث غير عامين حتى عاودها داؤها فافترقت - ولا تزال وا أسفا!!
وهذا الذي أصاب البلاد بعد ثورتها من فرقة واختلاف قد تولى بيانه ودراسته مؤرخ هذا العصر الأستاذ الجليل عبد الرحمن الرافعي بك في مؤلفه الجديد (في أعقاب الثورة المصرية).
ظهر الجزء الأول من هذا الكتاب وقد بدأه حضرة المؤلف بتفصيل القول في الانقسام الداخلي الذي أصاب البلاد في سنة ١٩٢١ وما جرى على أثره وانتهى إليه ومضى يتحدث عن الوفد الرسمي وما ثار حوله من خلاف كبير أدى إلى خذلان الأمة وضعفها، وتكلم بعد