منذ قرون ثلاثة، تساءل (لابروبير) وساءل قراءه لماذا تخجل من البكاء في المسرح إذا شهدنا قصة محزنة، على حين أننا ننفجر بالضحك إذا شهدنا قصة هازلة؟ لماذا لا نرسل الدمع كما نطلق الضحك؟ أو لماذا لا نكتم الضحك كما نحبس الدمع؟ أهي طبيعتنا أميل بنا إلى الضجيج بالفكاهة منها إلى التفجع للحزن؟ أم أننا نخشى أن تختلط قسمات وجوهنا ونشوه صورتنا أمام الناس إذا بكينا؟ فإن منظر الواجم المنتحب أروع وأجلّ من منظر الماجن المقهقه! لعله تحرج إذن من الظهور بمظهر التأثر والحنان والضعف، لا سيما إزاء موضوع خيالي غير واقعي يسوؤنا أن نعترف لسوانا بأنه يخلبنا ويخدعنا. ولكن المرء لا يتأثر على أي حال إلا لأن الحقيقة قد مست قلبه، أو تمثيل الحقيقة، وما يقاوم البكاء والضحك جميعاً، ولا يسفه (المخدوعين) بالقصة إلا شرذمة من المتحذلقين. لقد كان علنيا إذن أن نذرف الدمع في الملعب على مرأى من الناس، وأن نسمع جمهور المسارح يموج أحياناً بالنواح كما يجلجل أحيانا بالضحك!. . .
وأكبر الظن في تعليل هذه الملاحظة الطريفة أن الضحك - كما يقول برجسون - ظاهرة اجتماعية، تنشأ بين عدد من الناس، أما البكاء - ولا ندري ما رأي برجسون في البكاء - فظاهرة فردية تنبع من صميم قلب المرء، أي أن الفكاهة (اتجاه إلى الخارج) والحزن (اتجاه إلى الداخل) إذا صح فهم هذا التعبير:
من أين يأتيك الضحك ومن أين يأتيك البكاء؟. . . أنت لا تضحك من تلقاء نفسك، هيهات، ولكنك قد تحزن وقد تبكي إذا خلوت إلى نفسك. وأنت لا تكاد تمسك عن الضحك والتندر والمزاح كلما ضمك مجلس أو لقبك صديق، ولكنك لا تجرؤ على أن تبسط أشجانك أمام جماعة من الناس، لا سيما إذا ضحكت الألفة بينك وبينهم. فأنت تريد بالتضاحك أن تشرك الآخرين في ملاحظة ساخرة لاحظتها، ولاستهزائك برذيلة أو عيب وظيفة اجتماعية هي عقاب تلك الرذيلة أو تقويم هذا العيب. أما الحزن الذي يستولي عليك حين ترى مشهداً فاجعاً، فما هو إلا تأثرك بالمأساة، واستقبالك لها، واستئثارك بشطر منها لنفسك. الحزن إذن