رأيي، إن المرأة المتعلمة لا تتورع عن أن تسلك إلى قلب، زوجها مسالك فيها الخديعة والمكر، ولا تترفع عن أن تنفذ إلى مال زوجها في مسارب فيها الإغراق في التبديد والإفراط في البذل؛ فلا تبقى على عهد ولا تبقى على مال) قلت (هذا غلو، يا أبي) قال (وإذا تفلسفت الفتاة في الدار جمحت بها نزوات الطيش فأنكرت وظيفتها وجحدت مكانتها فتستحيل طمأنينة الزوج إلى فزع ما ينتهي ويحور هدوء الدار إلى ثورة ما تنقضي. أن المرأة التي تلد الفلسفة تلد الهم والأسى والضيق في نفس الرجل. . .) قل (يا أبي. . .) فقال هو مقاطعاً (فإذا لم تصلك بزوجك صلات من القربى ووشائج من الدم عبثت بشرفك وفرطت في كرامتك وبددت ثمار كدك) قلت في لهفة (ولكني. . .) قال (ولكنك تحب فتاتك. لا عجب، فهي قد اغترتك عن نفسك وخدعتك عن عقلك وسحرتك عن صوابك، لأنالمرأة المتعلمة كالثعلب تمكر بصاحبها حتى يقع في شباكها ثم لا تلبث أن تذيقه وبال غفلته وحمقه) قلت (يا أبي، لا ريب فنزوات الشباب تطم - دائماً - على العقل وتعصف بالرأي، وسأفكر فيما قلت)
وخرجت من لدن أبيبعد أن عزني في الخطاب، وإن كلماته ترن في أذني وأن حديثه يدوي في عقلي فعزمت على أن أنبذ فتاتي إلى فتاة من ذوي قرابتي
وانطوت الأيام فإذا أنا إلى جانب فتاتي القاهرية أبثها لواعج الهوى وأشكو إليها حرقة الغرام، ثم لبثت أن سميت على خطبتها فتزوجها. ووقف أبي إلى جواري ليلة الزفاف وقف كارهاً وهو ينفضي بنظرات فيها الألم والحسرة، فاضطرب قلبي وتزعزعت سكينتي