الازدراء والمقت، ثم قال في استسلام (أنت وما تريد، يا بني!) فأحسست في صوته نبرات الكراهية والبغض واستشعرت في كلمات رنات الرفض والآباء. وحز في نفسي أن أرى أبي يكتم عني الرأي ويضن بالنضيحة؛ فقلت له. يا أبي، إنني ألمس من وراء كلامك دوافع نفسك وخلجات فؤادك، فلماذا تمسك عني الرأي وتبخل بالمشورة؟) قال (يا بني؛ إن في الشباب جماحاً يدفعه عن أن يستسيغ الرأي، وإن به شماساً ينزعه عن أن يسمع حديث العقل. فهو عبد الرأي الفطير والفكرة الفجة) قلت (ولكنني أوقن بأن في الشباب زلات لا تقيمها إلا تجارب الشيوخ، وأن فيه عجزاً لا يكمله إلا عقل الشيوخ، وأن فيه نزوات لا يقيدها إلا رأي الشيوخ) قال (وفي الشباب بريق يخطف البصر، بريق يتألق في حديثهم وهو يتسم - دائماً - بسمات المنطق المصنوع والفلسفة الخاوية، بريق يتألق في الحديث ويخبو في العمل) قلت (وماذا يصيرك إن أنت أسديت النصح لأبنك؟ لعلك تخشى أن لا تجد أذناً تسمع ولا قلباً يعي؛ أو لعلك تضن بتجاربك على بعد أن يلفت مبلغ الرجال وأصبحت موظفاً في الحكومة، خيفة أن أسخر من رأي أو أن أهزأ بفكرة) قال (يا بني، لست أخشى رأي الشباب في عقل الشيوخ) ثم أخذأبييناقشني في عنف ويجادلني في شدة لا بني عن أن يصرفني عن نوازع نفسي ويدفعني عن رغبات قلبي فقال (إن القروي، يا بني؛ لا يحس في الزوجة إلا المتعة والمتاع ولا يطلب إليها إلا الطاعة والاستسلام، أما أنتم فتلمسون فيها الرفيقة والصاحبة. والرفيق. . . في رأيي - هو عون رفيقه وساعده، وهو هدي صاحبه إن ضل ونبراسه إن تاه وموثله إن سدت في وجهه السبل، فهل تستشعر في فتاتك معاني الرفيقة؟) قلت (نعم، فأنا أرى فيها العقل والرأي معاً) قال وهو يبسم في سخرية (إن المرأة لا تجد العقل إلا في الشارع) قلت (وهي تجده في العلم وفي المدرسة وفي الجامعة) قال في جد (وبين البيت والمدرسة أفانين من الحياة وصنوفاً من العقل تتنقفها الفتاة في غدوها ورواحها فتتقنها قبل أن تتقن الدرس، وتجيدها قبل أن تجيد العلم، وتعيها قبل أن تعي المطالعة) قلت (ولكن الفتاة العاقلة المهذبة تثور معاني الشرف والكرامة في دمها فتسمو بها عن الزلل وترفعها عن السقوط) قال (وهل تستطيع المرأة البرزة أن تحبس دم الشباب الفوار عن أن يصرخ في عروقها صرخات شيطانية وضيعة حين تجلس إلى الرجل في غير رقبة ولا حذر؟) قلت (يا أبي! إنك تتجنى على المرأة المتعلمة) قال (وفي