لاشك عندي في أن كل من تناول بالتفكير بعض المشاكل الاجتماعية، لا بد يعلم أن أساس التفاهم الحق بين أبناء الأمة الواحدة هو التعليم الموحد. فلقد شهدنا ظروفاً لم يفرق فيها اختلاف التعليم، واختلاف طرائقه وأساليبه بين لهجة ابن مصر العليا، وابن مصر السفلى فحسب، بل فرق فيها ذلك بين أبناء القرية الواحدة إن لم يكن بين أبناء الأسرة الواحدة الذين وقعت بهم الظروف في أحضان معاهد مختلفة بين: مصرية أو أجنبية مدنية أو دينية. وما نشأت تلك الفرقة التي كثيراً ما تؤدي إلى الجفاء إلا من اختلاف نوع الثقافة، ذلك الاختلاف الذي يخلق عقلية خاصة يصحبها تفكير خاص ومزاج خاص. ثم إننا نجد على العكس من ذلك أن التعليم في المدرسة الواحدة يؤلف بين المتباغضين، ويقرب بين المتباعدين، ويوحد بين المتنافرين، لأنه يجمع بينهما في أهم وسائل التفاهم: اللغة واللهجة وطرق التفكير ووحدة طرق التنشئة. فترى الآن الصعيدي والبحراوي متجاورين في دواوين الحكومة متفقين متفاهمين كاتبين كانا أو قاضيين، مهندسين أو معلمين، مديرين أو وزيرين؛ حتى لا تكاد تعرف أيهما الصعيدي، وأيهما البحراوي، لأن المدرسة التي نشآ فيها كان لها الأثر الفعال في تنشئتهما تنشئة واحدة مهما كان نوعها. فهل هناك إذن من سبيل إلى التوحيد والتفاهم غير المدرسة الموحدة التي سبق أن أثبتنا أنها السبيل الوحيد أيضاً إلى المساواة في الحقوق بين الجميع أو إلى الديمقراطية الصحيحة؟ إنك لا تجد مطلقاً أن من السهل خلق جو من التفاهم الأكيد بين الأزهري والأفندي كما لا تجد من السهل إيجاد تفاهم تام بين: المعلم الإلزامي وخريج دار العلوم، أو بين هذا وخريج معهد التربية. ولذلك تجد مشاكل وزارة المعارف لا تنتهي للخلافات المستمرة بين تشكيلة رجال التعليم الذين نشأوا في معاهد متعددة مختلفة الثقافة. ثم هل استطاعت وزارة العدل بما يملأ أرجائها من العدل وبما تنشره من المساواة بين الناس جميعاً في الحقوق يحكم القانون أن تنشر جواً من التفاهم الصحيح بين القاضي الأهلي والقاضي الشرعي اللذين نشآ في مدرستين متباعدتي الثقافة! ألم تشغل طويلاً وزارة العدل ولا زالت تشغل بالخلاف القائم بين القاضيين