إنني أراك اللحظة - أو يخيل إلي إنني أراك، أو تخيل إلي أنه يخيل إلي إنني أراك! - هنالك قابعاً منزوياً وراء منسجك الأبدي، تطل بعينيك العميقتين النافذتين من خلف المنسج القائم منذ الأزل، تنسل خيوط الكون وتنسجها، في دأب لا يمل ولا يفتر، ونظام لا يتقدم ولا يتأخر
أنك هناك في كل ذرة سابحة في الفضاء، أو غائصة في الأعماق؛ وفي كل خطرة نابضة في الفكر أو كامنة في الضمير؛ وفي كل ومضة مشعة في الأفق أو مستكنة في الذريرات. . .
وأنت هناك في البرعم النامي، والجرح المندمل؛ وفي الأمنية السائحة والذكرى المتوارية؛ وفي الأمس والغد؛ وفي الليل والنهار؛ وفي الغدو والأسحار؛ وفي الأرض والسماء؛ وفي كل مكان. . . ولكن أحداً - أيها الساحر القادر - لا يحس أنك هناك!
إنك لتلأم الجرح في اللحظة التي تثغره؛ وأنت هناك في أعماقه تنسج الأنسجة وتنشئ الذرات، وترتفع بغوره شيئاً فشيئاً، وإذا الطعنة الغائرة قشرة عالقة، وربما خيل إلى الرائي أن وراءها ثغرة؛ وإذا القشرة نفسها تسقط بعد لحظات، وكأن لم يكن جرح ولا ثغرة ولا قشرة!
وكذلك تصنع بالجروح الغائرة في حنايا القلب وشعاب الضمير. . .!
وأنك لكامن هناك وراء البرعم المستكن في البذرة الساكنة تدفعه في رفق، وتمده في هدوء؛ ثم تنبثق به إلى الضياء نبتة ناحلة كابتسامة الوليد؛ ثم إذا هو فنن صغير، ففرع كبير، فدوحة باسقة، ذات أوراق وأزهار وثمار. . . ثم ماذا - أيها الساحر القادر - ثم إذا هي خشبه خشنة اللحاء يابسة اللباب؛ ثم إذا هي وقود النار؛ ثم إذا هي شعاع ذاهب، وهباب راسب. وأنت هناك من خلفها دائب في الإبلاء والإنشاء!. . .