للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وحي العام الجديد]

المصباح الأحمر

للأستاذ محمود الشرقاوي

هاأنذا أعود إليك. أيها المصباح الأحمر!

أعود إليك يا مصباحي الأحمر ولكني إنسان جديد.

ها أنت ذا كما كنت. يسطع نورك على قرطاسي ويغمر وجهي وأشعر بدفئك الرقيق يلمس جبيني في برد هذا الليل.

هذا هو الليل الساكن والدهر يحبو إلى عام جديد. وهذا نورك في غرفتي وبهجة لونك، هذا كل شيء كما كان، ولكني أنا إنسان جديد.

إني أكاد أشعر منك بالحياة يا مصباحي الأحمر ويخيل لي أنك تهمس وأنك تناجي وتذكر، لا بل إنك تنبض وتخفق أو تكاد تنطق.

إني أحس ما تريد أن تهمس وأن تقول، وإني أناجيك به وحدك وقد سكن الليل كأنما الليل وظلامه قد سكنا إلى النوم كما نام السعداء من الناس؛ لم يبق سواك وسواي يقظان.

لا تسلني أيها المصباح الأحمر فسأحدثك، وحديثي لك وحدك. لم يبق من يستمع حديثي ويصغي. لقد كنت منذ سنين شاهدي وسميري حين أكتب إلى من أعزهم، وكنت تبهج مكاني ويغمر جبيني دفئك في برد هذا الليل، كما يغمر قلبي ويشمل كياني الفرح الشامل السعيد حين أكتب لمن أحب. وحين يغمر قلبي ويغمر كياني ذلك الفرح الهادئ البهيج والنشوة التي تكاد تحملني فأخف معها وأنا أتلو رسائل من أحب، أسترجعها وأتلوها وأقف عند كل حرف فيها أستوحيه وأشعر منه بالسعادة وباللذة لا تساوي عندي الدنيا كلها رسالةً منها.

كنت شاهدي وسميري أكاد أحس فرحتك معي وبهجة نورك من بهجتي ومن نور قلبي، والآن أنت وحدك الذي أخاطب وأنت الشاهد والغائب، فقد ذهب العزيزان ولم يبق لي سواكَ من يصغي.

لا تسلني أيها المصباح الأحمر عن رسائل الثلاثاء من كل أسبوع، ولا عن رسائل الأحد من كل أسبوعين، ولا عن رسائل الغائب البعيد من وراء البحار

<<  <  ج:
ص:  >  >>