كان اعتراف دول الاتفاق الصغير بروسيا السوفيتية واجتماع السينور موسوليني والهر هتلر أهم الأحداث الدولية التي وقعت في الأسبوعين الأخيرين. وتوجد بين الحادثين صله وثيقة، وكلاهما يرجع إلى نفس البواعث والظروف التي تدفع أوربا اليوم إلى منحدر شديد الحلك. وقد بينا في مقال سابق في الرسالة أن التأريخ يعيد نفسه، وأن أوربا القديمة تعود فتبدو للعالم كما كانت قبل الحرب مسرحاً للتنافس الحربي وعقد المحالفات السرية، وتنظيم الجباه الخصيمة. وقد بدأت فرنسا مذ رأت تصميم ألمانيا على تسليح نفسها بتنظيم جبهه سياسية عسكرية تستطيع ان تعتمد عليها في مقاومة ألمانيا إذا ما نشبت بينهما الحرب؛ ولما كانت العلائق قد فترت بين ألمانيا وروسيا على أثر قيام الطغيان الهتلري في ألمانيا وسحقه للحركة الديمقراطية ومجاهرته بخصومة روسيا السوفيتية، فقد رأت فرنسا أن تعود فتتقرب من روسيا وأن تحاول إحياء التحالف الذي كان معقوداً بينهما قبل الحرب ضد ألمانيا. فبعثت مسيو هريو رئيس الوزارة الأسبق إلى روسيا ليمهد السبيل لهذا التحالف، ورأت روسيا من جانبها أنها في حاجة لتوطيد مركزها بين الدول الغربية، وتأمين سلامة حدودها الأوربية لكي تستطيع التفرغ نوعاً لمقاومة الخطر الياباني في الشرق الأقصى، فرحبت بهذه الخطوة؛ واستمرت فرنسا في سعيها لتنظيم هذه الجبهة الشرقية ضد ألمانيا، حتى استطاعت أن تحمل دولتين من دول الاتفاق الصغير هما رومانيا وتشيكوسلوفاكيا على الاعتراف بروسيا السوفيتية تمهيداً لعقد التحالف بينهما وبين روسيا. وقد جاء اعتراف الدولتين بروسيا على أثر الزيارة التي قام بها مسيو بارتو وزير الخارجية الفرنسية لكل منهما. ونفوذ فرنسا في رومانيا وتشيكوسلوفاكيا معروف، وهو الذي يوجه سياستهما الخارجية منذ نهاية الحرب الكبرى. ونستطيع أن نقارن بين رحلة مسيو بارتو التي أسفرت عن التمهيد لهذا التحالف برحلة مسيو بوانكاريه التي قام بها قُبيل الحرب الكبرى في روسيا وما انتهت إليه من توثيق التحالف بين روسيَا وفرنسا.
اجتماع هتلر وموسوليني
وقد كان لهذه الحركة التي قامت بها فرنسا في تنظيم الجبهة الجديدة وقع عظيم في ألمانيا