لأنها هي المقصودة بها قبل كل شيء. وقد شعرت ألمانيا الآن بخطر العزلة السياسية والاقتصادية التي انتهت إليها، وكان للسياسة الهتلرية وما أبدته من العنف وقصر النظر أكبر أثر فيها. ففي عام ونصف عام فقط، منذ قيام الطغيان الهتلري في ألمانيا، فقدت ألمانيا كثيراً من عطف الرأي العالمي، وفقدت صداقة روسيا السوفيتية وما كانت تتمتع به فيها من مركز اقتصادي ممتاز، وأثار عنف السياسة الهتلرية عليها كثيراً من الأحقاد في النمسا وتشيكوسلوفاكيا، ودفعها بسرعة إلى طريق الخراب الاقتصادي. وقد شعر الهتلريون بخطورة المأزق الذي دفعوا إليه ألمانيا، ولم يجدوا قبلة يتجهون إليها اليوم في أوربا غير إيطاليا. والسياسة الإيطالية تشعر بعطف خاص نحو ألمانيا الهتلرية أولا لما بين الطغيان الفاشستي والطغيان الإيطالي من وجوه الشبه في الوسائل والغايات، وثانياً لاتفاق الرأي بينهما في بعض المسائل الخارجية مثل وجوب تنقيح معاهدة الصلح، وميثاق عصبة الأمم، وتسوية مسألة نزع السلاح على قاعدة المساواة بين الدول العظمى. هذا وإيطاليا تشعر نحو السياسة الفرنسية في القارة بغيرة شديدة وتتوجس من عواقبها ولاسيما في أوربا الوسطى، وتحقد على فرنسا لأنها تحول دون توسعها الاستعماري في أفريقية؛ والخلاصة أن هنالك أسبابا وبواعث كثيرة تجمع بين ألمانيا وإيطاليا في الظروف الحالية؛ وتقرب بينهما في الرأي والغايات.
تلك هي العوامل التي حملت هتلر زعيم الوطنية الاشتراكية الألمانية، وموسوليني زعيم الفاشستية على اللقاء بسرعة للبحث والتفاهم. وقد تم اللقاء بين الزعيمين في مدينة البندقية (فنيزيا) وأستمر يومي ١٤و١٥يونيه. ولم تذع تفاصيل شافية عما دار عليه البحث أو تقرر؛ ولكن المفهوم أنه تناول كل الوسائل الخطيرة التي تهم البلدين، وفي مقدمتها مسألة التوازن الأوربي، ومقاومة السياسة الفرنسية في تنظيم الجبهة الخصيمة، ومسالة نزع السلاح وعصبة الأمم، ومسألة استقلال النمسا وضمان السلم في أوربا الوسطى. وقد أفاضت الصحف الألمانية في أهمية هذا الاجتماع وخطورة أثره في مستقبل السياسة الأوربية؛ وكانت الصحف الإيطالية أكثر تحفظاً. ولا ريب في أهمية الاجتماع وخطورته؛ ولكنه من جهة أخرى دليل على خطورة المأزق الذي صارت إليه ألمانيا في ظل الوطنية الاشتراكية، وعلى جزعها من عواقب العزلة السياسية التي انتهت إليها، وشعورها بالحاجة