أوى الركب الى الفندق متعباً، وجمعتُ التعب والمرض، وكان وزير المعارف والعلامة بديع الزمان قد كلماني والأستاذ العبادي في إلقاء محاضرة في مدرسة سبهسلار بعد الإياب من مشهد، فعدنا الى طهران وإذا رقاع الدعوة قد أرسلت، وإذا الجرائد تخبر بأني سألقي محاضرة في مدرسة سبسهلار والساعة ست من يوم الخميس. فأصبحت في شغل من هذا الأمر أجهد للوفاء بالوعد، فإذا جسم علل وصوت مبحوح، فكلمت الأستاذ بديع الزمان معتذراً، فجاء الى الفندق هو ورئيس المدرسة وطلبا من الأستاذ العبادي أن يقول كلمة، فوعدهما، ووعدتهما أن أكون طوع أمرهما إن رزقت العافية، وإلا أرسلت كلمة تقرأ على الحاضرين فلما دنا الموعد أجاب الأستاذ العبادي الدعوة، وأرسلت كلمتي مع السيد صالح الشهرستاني مكاتب البلاغ في طهران، فقرأها على الجمع، وكان موضوعها موقف المسلمين من مدينة أوربا، وما يلزمهم من الاستمساك بسنتهم، وأخذ الحذر أن يفتتنوا فيقلدوا فيضلوا. وتكلم الأستاذ العبادي في العلائق التاريخية بين مصر وإيران، وقد قرأت في الجرائد الإيرانية بعد العودة الى مصر وصف الاحتفال وترجمة الكلمتين، وخطبة الأستاذ بديع الزمان في مكانة اللغة العربية بين الفرس. وقد نشرت جريدة البلاغ الخطب الثلاث، كما نشرت بياناً وافياً عن حفلات الفردوسي كلها
وكان في خطة وفود الفردوسي الذهاب الى أطلال مدينة الري وهي على مقربة من طهران، فتخلفت مكرها أسفاً، ويوم الجمعةُ جلنا في المدينة، فاشترينا من الكتب والاسطوانات (والإيرانيون يسمونها الصفحات. وهي تسمية أقرب الى الحقيقة واللغة) وزرنا المفوضية المصرية مودعين ثم خرجنا الى دار على أصغر خان المعروف في طهران باسم المصري، وهو أخو حسن بك اليزدي التاجر الكبير بالقاهرة، وكان يحتفل بختان أنجاله، فجلسنا في جماعة من الفضلاء، واستمعنا للمرة الثانية الى غناء المطربة ملوك خانم، واقترحت أن تسمعنا الأغنية المطربة:(مرغ سحر ناله سركن) لنودع طهران على هذه النغمات الحزينة، ثم تحدثت المغنية، فإذا هي تعرف أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب