للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على هامش المناظرة بين خلاف وقطب]

العقيدة بين العقل والعاطفة

للأستاذ علي الطنطاوي

ذهبت مرة أزور أستاذنا (الزيات) في دار الرسالة، وكانت زيارته أحبّ شئ إليّ وأنا في مصر، وكانت دار الرسالة أقرب الأمكنة في القاهرة إلى قلبي، فلذلك كنت أؤمها كل يوم، ولولا خوفي من ملل الأستاذ ما كنت لأفارقها. . . أقول إني ذهبت أزوره مرة فوجدت عنده شاباً أسمر اللون لطيفاً هادئاً تبدو عليه سيما المسالة والموادعة والإيناس، فقال لي إني أعرفك بالأستاذ سيد قطب، وأحلف أني شدهت، وكنت أرتقب أن يكون هذا الشاب أي إنسان في الدنيا إلا سيد قطب، وكنت أستطيع أتخيل سيد قطب على ألف صورة إلا هذه الصورة، وازددت يقيناً بأن من الخطأ البين أن تحكم على شخص الكاتب بكتابته، أو تعرف الشاعر من شعره، وفوجئت مرة أخرى بما لا أرتقب حين تفضل فأهدى إلى كتابه (التصوير الفني في القرآن).

لأني لم أتخيل سيد قطب إلا مقارعاً محارباً، ولم أعرفه إلا كاتباً مجادلا مناضلا، يهاجم مهاجماً ومدافعاً ومحايدا. . . وذهبت فقرأت الكتاب فوجدت فتحاً والله جديداً، ووجدته قد وقع على كنز كأن الله ادخره له، فلم يعط مفتاحه لأحد من قبله حتى جاء هو ففتحه، وشعرت عند قرأته بمثل ما شعرت به عند قراءة (دفاع عن البلاغة) للسيد الزيات، وجربت أن أكتب عنهما فما استطعت، إكباراً لهما وإعظاماً لشأنهما، وكذلك الأثر الأدبي إذا هبط إلى قرارة الفساد أو سما إلى ذروة الجودة، أعجز النقاد وابتلاهم في الكتابة عنه بأصعب التكاليف، فأنا أقر بالعجز عن نقد هذين الكتابين، وعن نقد (شعر. . .) بشر فارس أو أبحاث سلامة موسى، لأن من تحصيل الحاصل أن تقول للجيد لا شك فيه، هو جيد، وأن تقول للفاسد المتفق عليه هو فاسد، لأنك كالذي يقول للشمس أنت مضيئة، والليل أنت مظلم!

وكتب عنه أخي وصدي الأستاذ عبد المنعم خلاف صاحب الكتاب العبقري (أومن بالإنسان)، ورد الأستاذ وكانت هذه المناظرة التي رأيت أن أدخل نفسي فيها لأقول كلمة على (هامشها. . .)، وهذه هي المرة الثانية أتطفل فيها على مناظرات الأستاذ قطب، ولكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>