للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حرية الفكر أيضاً. . .

للأستاذ دريني خشبة

ينصب بعض السادة الكتاب من أنفسهم أبطالا للدفاع عن حرية الفكر، ويعد بعضهم أنفسهم شهداء لهذه الحرية المكبوتة في زعمهم، المضيّق عليها تضييقاً يذهب صديقنا الدكتور زكي مبارك إلى أنه لم يسبق أن حدث مثله في الأمم الإسلامية قط

وندع الآن ما ذهب إليه الصديق الكريم من هذه الدعوى، لنلفت أنظار القراء إلى شيء ظريف جداً يصدر عن أولئك الأبطال الكرام، عن قصد ظريف جداً كذلك

وليس هذا الشيء الظريف الذي نلفت إليه أنظار القراء الآن شيئاً ظريفاً واحداً، ولكنه أشياء ظريفة يأخذ بعضها برقاب بعض. فتكون آخر الأمر موضوع هذا الشيء الظريف

عندما تناولنا موضوع كتاب الأستاذ الرصافي، وقفنا منه إزاء كتاب يتناول ديننا كله، ومعتقداتنا جميعها، فيتأولها تأويلا لا يجوز إلا في عقل مدخول. . . فإلهنا - في زعمه - هو هذا العالم الذي تعرف من العلم الحديث كيف نشأ. . . ونبينا، هو أول مبتدع لهذا الهراء، كما إنه مؤلف القرآن وقائله. ونظرية وحدة الوجود تلك التي ابتدعها محمد هي أرقى ما وصلت إليه الفلسفة الإسلامية، والإيمان بها ينافي الإيمان بما جاء به الرسول الكريم من خلق الله لهذا العالم، والدعوة إلى عبادته ودعائه والإخبات له، وما قال به من نشور وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار. . . ثم تساوى الخير والشر والضلال والهدى والتقى والفسوق والأبيض والأسود. . . والسجود بين يدي الله والإكباب على الحليلة. . . أمام الله كما يزعم الرصافي في رده علينا. . . استناداً إلى زعم الجنيد، أنه سبحانه، هو الهادي وهو المضل، وما دام الله كذلك فلا يكون ثمة معنى للحساب والثواب والعقاب والجنة والنار على نحو ما يؤمن بذلك المسلمون كافة. . . ذلك الإيمان الساذج الفطري الذي لا يسيغه عقل. . . لأن العقل لا يسيغ أنباء الغيب ولا يهضمها. . .

ولما كان الرصافي - هداه الله - ينتمي إلى المسلمين، وقد لغا هذا اللغو الذي كان يلغو به من قديم، فقد وقفنا منه وقفتنا التي يحتمها علينا ديننا، لأن دعواه تقلب هذا الدين بجميع عقائده رأساً على عقب. . . وما ظنك بدعوى تنسخ العبادات نسخاً لا يجعل لها ضرورة، لأنها لن تغير مما قضى الله من شيء، ثم ما ظنك بدعوى تجعل الله مأكولا مشروباً

<<  <  ج:
ص:  >  >>