منظوراً مشموماً تدركه الحواس كلها. . . لأنه الوجود كله. . . ثم الرصافي يزعم أن هذا هو حقيقة الإسلام، أما ما يؤمن به السذج البسطاء أمثالنا، فهو ظاهر الإسلام، أورده الرسول الكريم على سبيل التمثيل، ومن باب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، ثم أخفى عليهم تلك الحقيقة الخائبة فلم يطلع عليها إلا أبا بكر، حتى جاء فلاسفة الإسلام الأعلام - الحلاج والجنيد وابن عربي والجيلاني والتلسماني وابن سبعين ومن لف لفهم، فوقعوا عليها وكشفوا سرها وجلوها للعالمين
فلما نفينا أن يكون هذا إسلاماً، وإسلاماً جاء به فخر الكائنات محمد بن عبد الله، وأثبتنا للأستاذ الرصافي أن اليونانيين عرفوا وحدة الوجود قبل نبينا بألف سنة أو نحوها أو أكثر منها - وإن زعم هو أننا لم نأت بجديد - تفضل بعض مفكرينا المحبوبين من غير المسلمين بالاشتراك في هذا الموضوع، على أنه موضوع عام يحل لكل إنسان أن يشارك فيه برأي. . . ولم يبالوا في سياق كلامهم أن يعلنوا على صفحات الرسالة أنهم لا يؤمنون إلا بالمادة. . . أما ما وراء الطبيعة فلا شأن لهم به. . . فرحبنا بمشاركتهم، ولما آنسنا أنهم لم يفطنوا إلى أن الموضوع يبحث من وجهة نظر إسلامية خالصة، نبهناهم إلى ذلك بأرق عبارات الذوق الذي دعا إليه الأنبياء يا صديقي الدكتور زكي. . . لكنهم كتبوا ما لمحنا في ثناياه أنهم غاضبون أو شبه غاضبين، فلم يشق علينا أن نعلن لهم أسفنا، ولم نناقش الآراء التي أعلنوها لحرصنا على أن يظل الموضوع محصوراً في أفقه الإسلامي، ولأننا كما أعلنا غير مرة، غير قوامين على حرية الفكر في مصر ولا في غيرها من بلاد الله. . . فليعتقد من يشاء ما يشاء، بشرط ألا يجعل عقيدته دعوة يدعو إليها ويجهر في كتب ينشرها بأنها هي الحق، وأن ما نؤمن به هو الباطل. . . وبشرط ألا يفتري على الله وعلى رسوله إفكاً ينزههما المسلمون عنه. . . فإن فعل ذلك، وكان من انتسابه إلى المسلمين ما نعلم، فماذا ينكر منا أفاضل العلماء الذين لا يؤمنون إلا بالمادة حين نقول لهذا القائل إنه ملحد، وإنه زنديق؟! وقد قال هو إن إلهنا هو هذا الوجود المأكول المشروب المنظور المشموم الذي تدركه الحواس كلها، وإن نبينا هو هذا الرجل الذي ألف القرآن. وزعم - غير قاصد شراً! - أن الله هو قائله وموحيه، لأنه كان أول من عرف سر وحدة الوجود؟! فإن لم نسم هذا الرجل ملحداً زنديقاً. . . فماذا يكون يا ترى؟ أيكون سيد العارفين بالله الذي نؤمن به؟