وهل من حرية الفكر أن يقول ذلك رجل ينتسب إلى المسلمين، فإن رد عليه رجل من المسلمين وسمي قوله هذا إلحاداً وزندقة، صاح حضرات الأفاضل العلماء الأعلام الذين لا يؤمنون إلا بالمادة، وينكرون ما وراءها: لقد خنقت حرية الفكر في مصر وفي الشرق، ثم هتفوا بالعلماء الأحرار في مصر وفي الشرق أن يُقْنُوا وأن يرعووا، وألا يصرحوا بالحق الذي يؤمنون به في هذه البيئة المؤمنة الساذجة المتزمتة، حتى لا يرموا بالإلحاد والزندقة!
هنا واحد من هذه الأشياء الظريفة التي وددت أن ألفت إليها أنظار القراء!
فهؤلاء العلماء الأعلام الذين لا يؤمنون إلا بالمادة يريدون أن يثبتوا في أذهانكم يا قراءنا العوام السذج المؤمنين أمثالنا أنهم على حق فيما يذهبون إليه بشأن هذا الوجود، وأننا على باطل. . . لأن الوجود قديم، ولم يخلقه إله قادر مستقل عنه كما يفهم بسطاء المسلمين والمسيحيين واليهود وأهل كل ملة ممن ليسوا علماء أعلاماً أمثالهم، لأنهم لم يدرسوا فلكاً ولا منطقاً ولا علم طبقات الأرض ولا فيزيقا ولا كيمياء ولا فلسفة، ولا هذا الثبت الطويل من العلوم التي أعشى في دراستها علماء المسلمين الأعلام أبصارهم، ولم تضل مع ذاك بصائرهم
بهذه الطريقة يريد هؤلاء العلماء أن يثبتوا في أذهانكم أنهم على حق، لأنهم ينطقون بلسان العلم الذي لا يضل، أما مناظروهم فينطقون بلسان هذا الحشد الحاشد من الأساطير الدينية، التي هي من أنباء الغيب، فليس لعقل رأي فيها!
أليس ذلك شيئاً ظريفاً جديراً يلفت أنظار القراء إليه؟!
ومما يلحق بهذا الشيء الظريف تصريحهم، ليوهموا القراء كذلك، أننا نظلم الحق، حينما نقحم الدين في الفلسفة. . .
وليفطن قراؤنا العوام السذج إلى المعنى المسموم الذي تحمله هذه العبارة! الحق يظلم إذا أقحم الدين في الفلسفة، لأن الفلسفة وحدها هي التي تعرف الحق وتعرف كيف تصل إليه! أما الدين فلا شأن له بالحق. . . لأن العقل لا يستطيع أن يعلله! ولماذا هذا اللف كله؟ لأن الدين يقول بأن الله هو الذي خلق العالم. . . وهذا قول لسهل هيّن ليّن. . . لم تحسن الفلسفة أن تقول مثله إلى اليوم! لكن الفلسفة مع عجزها أن تقول مثل هذا القول، تزعم أنه قول غير معقول، والمعقول عندها أن يكون العالم قديماً لا خالق له، أو أن يكون الله هو