(إن وجدتم في هذه الكلمة صراحة في الوصف، فلا تلوموا الطبيب فأنه يصف المرض، ليعين الدواء)
للأستاذ علي الطنطاوي
كان شاباً غُرَانِقاً جميلاً، صبوح الوجه، متأنثاً، قد أصيب بمرض التَّجمل. . . فلم يكن يجئ إلى المدرسة إلا متزيناً مستعداً استعداد عروس تزف إلى بعلها، قد صفف شعره ودهنه وعطره ولبده وعقربه على صدغيه، وحلى وجهه وصقله، وصنع به ما لست أدري. . . فبدا أبيض أحمر مشرقاً مجلواً صقيلاً، كأنه صفحة مرآة. . . وكشف عن أعالي صدره، وأحاط عنقه بهذه العقدة التي يفتن في عقدها واختيار لونها واتساقها مع الحُلة التي يلبسها افتناناً. . . ولا يزال أبداً يمد يده إليها يتلمّسها، ويصلحها ويطمئن عليها، ثم يحرك رأسه حركة غنجة يردّ بها عقارب صدغيه إلى مكانها!
وكان واضح الجبين، أزجّ الحاجبين حتى كأنهما قد خطا بقلم، أنجل العينين أشهلهما كأن لهما لون السماء وعمق البحر، وكأنهما تستجديان الحب. . . إذا نظر غض الطرف من الحياء، ودانى بين جفونه، وبرقت عيناه الناعستان فقالتا كلمة فلم تتم، فأنمها فمه القاني الصغير وشفتاه المضمومتان. . . وإذا تكلم تكلم بصوت لين حالم سكران، كأن ألفاظه تقول شيئاً، ولهجته ونبراته تقول شيئاً آخر، تقول: إن رجولة صاحبي رجولة مزورة! وإذا مشى تثنى وتخلع وتكسر، وماج جسمه موجاً، وذهب كل عضو منه في ناحية، كأن جسمه متفكك، قد تقطعت أوصاله وفصمت عراه وانحلت لوالبه. . . وإذا دعوته أقبل إلي يتهادى ويميل، فإذا وصل إلى حيث أكون، وجد أقرب متكأ فأستند عليه، كأنه بناء لا يقوم إلا إذا أسندته بدعامة، وإذا كلمته خجل كأنه فتاة في الخدر، وأجاب بصوت خافت يكاد يبتلعه الخجل، فكنت أزعق في وجهه من الغيض، ثم أطرده طرداً. . .
ولم يكن ينصرف إلى علم أو يقبل على درس، لأن عقله قد سال على جوانب جسمه خرقاً وثياباً، ولم يبق منه في داخل ما ينفع لعلم أو درس، فهو دائماً ينظر في عطفيه، ويتأمل ثيابه ويخرج من جيبه مشطه ومرآته، ولولا بقية من حياء لأخرج أبيضه وأحمره وقلم شفتيه. . .