حماقاته: روى صاحب الأغاني عن الحسن بن علي قال: حدثنا محمد أبن القاسم قال: حدثني إسماعيل بن عبد الله الكوفي قال: حدثني عمروس صاحب الطعام، وكان جار أبي العتاهية قال: كان أبو العتاهية من أقل الناس معرفة، سمعت بشراً المريسي يقول له: يا أبا إسحاق لا تصل خلف فلان جارك وإمام مسجدكم فانه مشبه، قال: كلا إنه قرأ بنا البارحة في الصلاة (قل هو الله أحد)، وإذا هو يظن أن المشبه لا يقرأ قل هو الله أحد
وقد ذكرنا عن مخارق فيما سبق ما جرى لأبي العتاهية معه حينما دعاه فغناه وشرب معه ثم أمر غلامه فكسر كل ما بين أيديهم من النبيذ وآلته والملاهي، قال مخارق: فظننت أنها بعض حماقاته، فانصرفت وما لقيته زماناً، ثم تشوقته فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فإذا هو قد أخذ قوصرتين وثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها، وأقامها مقام القميص، وثقب أخرى وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السراويل، فلما رأيته نسيت كل ما كان عندي من الغم عليه والوحشة لعشرته، وضحكت والله ضحكاً ما ضحكت مثله قط، فقال: من أي شيء تضحك؟ فقلت: أسخن الله عينك هذا أي شيء هو؟ من بلغك عنه أنه فعل مثل هذا من الأنبياء والزهاد والصحابة والمجانين؟ انزع عنك هذا يا سخين العين، فكأنه استحيا مني؛ ثم بلغني أنه جلس حجاماً، فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره، ثم مرض فبلغني أنه اشتهى أن أغنيه، فأتيته عائداً، فخرج إلي رسوله يقول: إن دخلت إلي جددت لي حزناً، وتاقت نفسي من سماعك إلى ما قد غلبتها عليه، وأنا أستودعك الله وأعتذر إليك من ترك الالتقاء، ثم كان آخر عهدي به
وذكر بشر بن المعتمر أنه قال يوماً لأبي العتاهية: بلغني أنك لما نسكت جلست تحجم اليتامى والفقراء للسبيل، أكذلك كان؟ قال: نعم، قال له: فما أردت بذلك؟ قال: أردت أن أضع نفسي حسبما رفعتني الدنيا ليسقط عنها الكبر، وأكتسب بما فعلته الثواب، وكنت أحجم اليتامى والفقراء خاصة، فقال له بشر: دعني من تذليل نفسك بالحجامة، فانه ليس بحجة لك أن تؤديها وتصلحها بما لعلك تفسد به أمر غيرك، أحب أن تخبرني هل كنت