للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

الأثر الأجنبي في الأدبين العربي والإنجليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

تتفق اللغتان العربية والإنجليزية في خروجهما من جزيرة منعزلة، وانتشارهما في إمبراطوريتين متراميتين، وفي تأثر أدبيهما بهذا التوسع العظيم وبالاختلاط بالأمم الأخرى وآدابها، ولكنهما يختلفان في كيفية هذا التأثر ونواحيه ومداه، لاختلاف الظروف التي اكتنفت قيام الإمبراطوريتين.

فقد صحبت قيام الدولة الإسلامية ظروف أربعة كان لها أبعد الأثر في تاريخها السياسي وفي تاريخ أدبها: فهي أولاً قد قامت على أساس دعوة دينية تنتظم الأمم، وتسوي بين الناس، وتعد المؤمنين بها من مختلف الأجناس إخواناً. وهي ثانياً جاءت مبكرة غاية التبكير، ولم تنقضِ على تأسيس الدولة العربية الأصلية في الوطن الأصلي - جزيرة العرب - غير سنوات قلائل. وثالثاً تم تأسيسها بسرعة نادرة المثال في التاريخ نتيجة نجاح العرب الحربي الباهر، وأخيراً انبسط سلطانها على أمم تفوق العرب الفاتحين غنى وحضارة وثقافة.

هذه العوامل الأربعة - بما انطوت عليه من خير وشر - كانت حاسمة في مستقبل الدولة العربية. فمساواة الإسلام بين الناس - مساواته بين العرب الفاتحين وبين الأعاجم المغلوبين - هيأت لهؤلاء أن ينافسوا العرب في الحكم والرياسة وكافة أسباب الحياة. وقيام الإمبراطورية مبكرة قبل أن تتوطد الدولة في وطنها الأصلي من جهة جعل قبضة الوطن الأول على ممتلكاته واهية سرعان ما انحلت، وانفصلت جزيرة العرب أو كادت عن بقية الإمبراطورية وعادت إلى ركودها الأول، وخرجت منها عاصمة الحكم؛ ومن جهة أخرى الحكم الفردي المطلق هو النظام الوحيد القادر على إدارة تلك الأصقاع المترامية، فأهملت الشورى التي حض عليها الإسلام، والتي كانت مرعية قبل أن تمتد أطراف الدولة وتخرج العاصمة من الجزيرة. وسرعة تأسيس الإمبراطورية غمر الفاتحين بطوفان من الثروة نشر الترف والفساد نشراً يزري بكل ما عرفته رومة عقب فتوحها شرفاً وغرباً. وامتداد سلطان العرب على أمم تفوقهم حضارة وثقافة جعل من الحتم استعانتهم بأبناء تلك الأمم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>