إن الخلق من النفحات الإلهية، به يكتب التوفيق وعليه تقام دعائم النجاح. والفرد يخلقه لا بعلمه، وكذلك الأمم ليست بعلومها وفنونها بل بأخلاقها وضمائرها لا تصلح إلا بهما ولا تشاد عظمتها إلا عليهما.
فالعلم إذا دخل دائرة الخلق اتجه نحو الخير والبناء والنمو والإثمار، وإذا خرق نطاقها ولم يتقيد بها أصبح أداة شر وهدم وتدمير، وعلى هذا فمن صالح البشرية والحضارة أن يحيط الخلق بالعلم وأن يسيطر عليه ويرعاه ليسير به نحو الخير والجمال والكمال
لقد تقدم العلم تقدماً نتج عنه انقلاب خطير بعيد الأثر في الحياة والعمران، فقد قضى على المسافات ومحا آيتها، وأتى على معجزة الاتصال بين الأقطار، فجعلها طوع إشارته. كشف المجاهل، وجفف المستنقعات، وأروى الصحاري، ومهّد الأدغال، وأباد أكثر الأمراض، فإذا الأرض أكثر ترامياً وأرجاؤها أعظم اتساعاً. فتح أبواباً كانت مغلقة، ووصل إلى نتائج ما كانت لتخطر على بال إنسان، وتمكن من السيطرة على مصادر الطاقة في أشكالها المختلفة فنمت الثروة العامة نمواً لم يحلم به أحد من قبل، وطغت الاختراعات، وكثرت الاكتشافات، فالعائمات على الماء، والسابحات في السماء، والساريات والراسيات على الأرض وتحتها، والأسلاك الكهربائية تطوف هذه الكرة، والأمواج اللاسلكية تعج في الأجواء حاملة على أجنحتها الأخبار والأنباء والصور، وأصبح كثير من الناس في هذا العصر يتمتعون بأسباب من الرخاء والرفاهة والترف لم يرن إليها القياصرة في الأزمان الماضية
ولكن مهلاً. . . هل هذا التقدم كاف؟
هل هذا التقدم - وقد توافرت فيه كل الوسائل لتسهيل الحياة وتوفير العناء - قضى على المشاكل الاجتماعية التي يعانيها المجتمع؟. . .
إن هذا التقدم قد زاد المشاكل الاجتماعية تعقداً، وسلب راحة البال وطمأنينة النفس، ويمكنني أن أقول إنه وضع الحضارة في مركز خطر.
ولماذا؟. . . لأن الإنسان في تقدمه لم يحسب حساباً للخلق ومعاني الحق والواجب والمثل