للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العليا، وقد قصرت حكمته عن تثقيف الرغبات والنوازع الإنسانية.

والذي يخشاه كبار الفلاسفة والحكماء أن الحكمة البشرية إذا أفلست في النهوض بعبء إدماج العلم وقواه العظيمة في أغراض الروح والخلق، اتجهت هذه القوى إلى التدمير والتخريب والتقتيل بدلاً من الاتجاه إلى البناء والإنتاج والإثمار والخير والجمال

لقد أصبح شعار هذا العصر (المادية فوق كل شيء) طغى هذا الشعار وتضاءلت أمامه قوة الناس المعنوية وتلاشت به الروابط الأدبية وانكمشت الرحمة والعطف والشفقة في صحف الأديان، وأشاحت الفضيلة بمزاياها عن النفس فإذا الإنسان في غمار من الزهو والغرور يهزأ من العفة والاستقامة والفضيلة والصلاح ولا ينظر إلى الحياة إلا من ناحية المتع والمسرات

لهذا لا عجب إذا قام المفكرون في أمريكا وإنجلترا يدعون الناس إلى حركة إصلاحية غايتها الاتجاه نحو المعنويات والروحيات، والاهتمامُ بتكوين الخلق، وجعلُ الحضارة قائمة عليها، لينقذوا الإنسانية من الشرور المحيطة بها ويضعوا حداً للمشاكل العديدة التي يعانيها المجتمع. وهذا ما يجعلني أومن بأن العالم - على الرغم مما هو فيه من تخبط - سيتجه نحو الروحيات ونحو الاحتفاظ بمقام الروح فوق مقام المادة، ذلك أنه إن لم يفعل، وسمح للمادة أن تسيطر غير آبه للخلق ومعاني الخير والكمال، فلن تقوم لحضارة قائمة وسيبقى السلم مهدداً، والمثل العليا في خطر، والناس في قلق، والأفكار في اضطراب، والأعصاب في توتر، وتتضاعف مشاكل الإنسان ومتاعبه، وتزيد تعقداً والتواءً، فلا يخرج من فوضى إلا ويجابه فوضى أشد وأنكى فلا اطمئنان ولا أمان ولا راحة ولا سلام

وعلى هذا فالعلم وحده لا يكفي لوضع حدٍّ لشرور العالم وآثامه، والعلم وحده لا يكفي للخلاص من المتاعب والصعاب المحيطة به من كل جانب

يجب أن يقوم العلم على عناصر روحية ومعنوية تعلي من شأن المثل العليا والأخلاق السامية، كما يجب أن تقوم الحضارة على المعنويات وتوفق بين المادة والروحيات

وهل تكون حياة آمنة يسودها رحمة وسلام إذا كانت مادية؟

وكيف تكون الحياة ناميةً رائعةً إذا لم تسرْ على هدى الروحيات؟

لن يستطيع الإنسان أن يردّ عن الحياة آثامها وشرورها ومفاسدها إذا سار فيها على العلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>