للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البلهبذ]

للأستاذ حسن السندوبي

للأمير شكيب أرسلان كتاب قيم وضعه حديثاً عن (شوقي) وجعله تذكاراً لصداقة أربعين سنة. وقد حفل بالطريف من المعلومات، والجليل من الموضوعات، كما رد فيه كثيراً من الحقائق التاريخية التي غمرتها الحوادث، وأبعدتها عن أصولها الكوارث، في العصر الحديث. فكان كتاباً فريداً في بابه ككل ما يعرض له الأمير من أبحاث وشؤون، ولا سيما ما كان منها متعلقاً بالعالم الإسلامي والعربي في بقاع الأرض

وقعت لي نسخة من هذا الكتاب القيم فعنيت بقراءته عنايتي بكل ما تجود به قريحة الأمير ويسيل به قلمه الكريم. ولي منذ الصبا ولع شديد بتتبع آثاره، واستيعاب أفكاره، واقتطاف أزهاره، فله عندي منزلة من الحب قوامها الاحترام

وبينما أردد نظري في صحائف هذا الكتاب استوقفني قوله وهو يقارن بين سينية البحتري التي يصف بها إيوان كسرى، وبين سينية شوقي التي يعارضه بها، عند قول البحتري:

قد سقاني ولم يصرد أبو الغو ... ث على العسكرين شربة خلس

من مدام تقولها هي نجم ... أضوأ الليل أو مجاجة شمس

وتراها إذا أجدت سروراً ... وارتياحاً للشارب المتحسى

أفرغت في الزجاج من كل قلب ... فهي محبوبة إلى كل نفس

وتوهمت أن كسرى أبرو ... يز معاطي والبُلُهْبُذَ أنسى

قال الأمير: ما اهتديت إلى الآن إلى معنى (البلهبذ) الذي هو لفظ فارسي فيما يظهر

فلما رأيت ذلك دهشت وأكبرت ذكاء الأمير وفطنته عن أن يفوتهما المعنى من هذا اللفظ. ولا سيما بعد أن وضعه البحتري في مكان لا يحتمل لبساً ولا إبهاماً. فالبحتري يذهب به خياله إلى أن كسرى يعاطيه الخمر والبلهبذ يؤانسه بصوته الرخيم. إذن فالبلهبذ كان من ندماء كسرى ذوي التطريب والتغريد، ومن الذين يحبون مجالس الشراب، وينعشون محافل المنادمة بأصواتهم الحسنة، وأنغامهم العذبة، فالبلهبذ على هذا كان المغني الخاص لكسرى، والمطرب المغرد في مجلس شرابه

ولقد أذكر بهذا أن الشيخ الشنقيطي اللغوي الكبير قال قصيدة في رحلته إلى الأندلس،

<<  <  ج:
ص:  >  >>