أوردنا في المقال السابق ما أذاعته لجنة الفتوى بالأزهر عن (الشيوعية في الإسلام) وما حكمت به على مذهب أبي ذر الغفاري من المخالفة للإجماع على مبدأ الإسلام، ثم أوردنا فتوى السيد جمال الأفغاني عن (الاشتراكية في الإسلام) وفي هذا المقال نورد ما قاله السيد عن مذهب أبي ذر وما أبدى من استحسان هذا المذهب. قال السيد رضوان الله عليه:(في زمن قصير من خلافة عثمان تغيرت الحالة الروحية في الأمة تغيراً محسوساً. ولشد ما كان منها ظهوراً في سير العمال والأمراء وذوي القربى من الخليفة وأرباب الثروة بصورة صار يكمن بها الإحساس بوجود طبقة تدعى (أمراء) وطبقة تدعى (أشراف) وثالثة (أهل ثروة وثراء وبذخ) وانفصل عن تلك الطبقات طبقة العمال وأبناء المجاهدين، ومن أرباب الحمية والسباقة في تأسيس الملك الإسلامي وفتوحاتة، ونشر الدعوة، وصار يعوزهم المال الذي يتطلبه طرز الحياة، والذي أحدثته الحضارة الإسلامية، إذ كانوا مع كل جريهم وسعيهم وراء تدارك معاشهم لا يستطيعون اللحاق بالمنتمين إلى العمالورجال الدولة. وقد فشت العزة والأثرة والاستطالة، وتوفرت مهيئات الترف في حاشية الأمراء وأهل عصبيتهم، وفي العمال وبمن استعملوه وولوه من الأعمال. . فنتج من مجموع تلك المظاهر التي أحدثها وجود الطبقات المتميزة عن طبقة العاملين والمستضعفين في المسلمين، تكون طبقة أخذت تتحسس بشيء من الظلم وتتحفز للمطالبة بحقهم المكتسب من مورد النص، ومن سيرتي الخليفة الأول والثاني أبي بكر وعمر
كان أول من تنبه لهذا الخطر الذي يتهدد الملك والجامعة الإسلامية، الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري، فجاء إلى معاوية إبن أبي سفيان وهو في الشام، وخاطبه بوجوب الرجوع إلى سيرة السلف وبتقليل دواعي السرف والترف وعدم التمادي في مسببات الحسد، والعمل على نزعها من العاملين من رجال المسلمين، وذكر مواعظ كثيرة، وعدد أخطاراً جمة من وجود طبقة فقيرة عاملة مفكرة من المسلمين، يكتنفها شظف العيش وقلة ذات اليد بين ظهراني قوم أكثرهم ممن لا سابقة لهم في الإسلام ولا لآبائهم، ولا من الطبقات المحمودة، ولا من المجهودات أو المميزات العلمية والجسدية، ما يوليهم أو يعطيهم حق ما هم فيه من