النعيم، وطيب العيش والرخاء، غير محض الانتماء والإدلاء بولاء لآل حرب وعمالهم.
فأجابه معاوية بما معناه: يا أبا ذر، إن ما تقوله هو الحق، ولكني ليس في استطاعتي الرجوع لا إلى سيرة الصديق وسيره، ولا إلى العمل الذي كان يعمله الفاروق، وغاية ما في إمكاني الحث على بذل الصدقات والقول اللين إرشاداً لتخفيف دواعي الحسد، وغير ذلك فلا سبيل إليه.
قال أبو ذر: قد نصحتك يا معاوية، والدين النصيحة، فأحذر أنت والخليفة عثمان مغبة ما أنتما عليه. وذهب من مجلس معاوية مغاضباً، واجتمع مع طبقة المتألمين والمتذمرين من المسلمين وقص عليهم من سيرة السلف أشياء، وأطلعهم على ما قاله عامل الشام معاوية بن أبي سفيان، وأردفها بإعلانه مشاركته لهم في كل ما يحسون به قلباً وقالباً. وبمختصر القول إنه شجعهم على النهضة والمطالبة بحق صريح لهم اهتضمه جماعة بغير وجه شرعي، ولا باجتهاد إمام السلف، فكان من وراء عمل أبي ذر هذا أن حصل شيء من التهيج والانفعال النفسي ما خشي معه معاوية وأعوانه سوء المصير.
فجمع معاوية كيده، واستنجد دهاءه، وبعث لأبي ذر ليلاً بألف دينار، فقبلها أبو ذر، وفي الحال بادر لتفريقها على الفقراء والمعوزين من المسلمين. وفي ثاني يوم أرسل معاوية رسولاً وقال: يا أبا ذر، أنفذني من عذاب معاوية، فأن الآلف دينار لم يرسلها إليك وإنما غلطت، فقال أبو ذر، والله لم يبقى معي من دنانيره ولا دينار، فليمهلني حتى آخذها ممن وزعتها عليهم من المستحقين في المسلمين. وعلم معاوية صدفة وضاق به ذرعاً، فكتب إلى الخليفة عثمان مستجيراً من إلغاآت أبي ذر، وما أحدثه من التأثير في النفوس. فأجابه متعجلاً أرسل أبي ذر إليه، فأرسله، ولما تقابل مع عثمان لم يسمع منه أكثر مما سمع من معاوية، وأنه لا يمكنه أن يفعل ما فعله الفاروق مع العمال من مصادرة ما عندهم من الثروة، ولا أن يرجع ما كان من حالة مجموع المسلمين في عهدي الصديق والفاروق إلا عن طريق الحث على بذل الصدقات والإحسان فقط. فقال أبو ذر: يا عثمان، أما تذكر حديث رسول الله ومعناه:(إذا وصل البناء إلى سلع (جبل في المدينة) واستعلى في المدينة. . الحديث) وجبت الهجرة. وفي رواية أنه قال: يا عثمان: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعاً، وها قد استعلى بناؤك وبناء قريبك معاوية