في العهد الأخير لفتت مسائل الشرق الأقصى أنظار العالم؛ وأثار توغل اليابان في الصين في بعض الدول التي تهتم بمجرى الحوادث في الشرق الأقصى شكوكاً ومخاوف جديدة، وأبدت اليابان رغبتها جلية واضحة في الاستئثار ببسط نفوذها على الصين ومقاومة النفوذ الأوربي، وما تزال مشكلة الشرق الأقصى جاثمة في الأفق تثير اهتمام السياسة الأمريكية، والسياسة الروسية، والسياسة البريطانية؛ وقد صدر في أمريكا أخيراً كتاب عنوانه (سحب الحرب في آفاق الشرق الأقصى). بقلم المحامي توم إيرلاند، تناول فيه المؤلف مسائل الشرق الأقصى بإفاضة، وذهب فيه إلى رأي جديد لا يبدو أنه متفق مع اتجاه السياسة الأمريكية الحاضرة. وخلاصة هذا الرأي هو أن أمريكا يجب أن تنفض يدها من التدخل في مسائل الشرق الأقصى، وأن تترك الصين لمصايرها؛ ويستند المؤلف في عرض رأيه إلى ما يأتي:
(١) أن التجارة الأمريكية في الشرق الأقصى لا تبرر هذا التدخل من حيث أهميتها.
(٢) أن أمريكا مضطرة إلى إنشاء أسطول ضخم تكون نسبته للأسطول الياباني كنسبة ٥ إلى ٣، إذا أرادت أن تتدخل لمقاومة اليابان تدخلاً فعلياً، وهذا يكلفها نفقات باهظة.
(٣) وحتى لو سلمنا بأن في استطاعة أمريكا أن تنشئ مثل هذا الأسطول فإنه لا يفيدها كثيراً، بعد أن فرطت في جزائر الفيليبين، وأصبح من المتعذر أن تتخذ منها قاعدة بحرية للعمل في المحيط الهادي.
(٤) أن اليابان سائرة في طريق التوسع، ومن حسن الحظ أنها وجدت في منشوريا (منشوكيو) مجالاً لنشاطها، وفي ذلك ما يدفع تيار الخطر الأصفر عن أمريكا.
وقد أريد بهذا الكتاب أن يصدر قبيل انعقاد المؤتمر البحري إذ ينتظر أن تطالب اليابان فيه بزيادة نسبة أسطولها نظراً لما تتطلبه حماية أملاكها الجديدة، ولأن أمريكا ما زالت تطالب في الصين بسياسة الباب المفتوح، وهي سياسة عتيقة أضحت لا تبررها الظروف.
ويقرن المؤلف عرضه بإحصاءات ووثائق اقتصادية كثيرة عن نشاط مختلف الدول ذات المصالح في الشرق الأقصى، وإحصاءات عن نفقات الحرب، وعن القوى البحرية، وسير