تألق نجم بيراندللو بعد النجاح العظيم الذي أحرزته روايته (المرحوم ماتياس باسكال)، وكسفت شمسه أسماء الروائيين المعاصرين، وبدأ النقدة يتحدثون عن فنه ويولونه اهتمامهم، ثم اختير ليشغل كرسي أستاذ الأدب الإيطالي بالجامعة وانتعشت حالته المالية بما أمكن أن يمحو من سجل حياته بعض المتاعب المادية، وأن يسدل عليها ستار النسيان
ولكي نعطي صورة واضحة من حياة هذا الكاتب وارتباطها بفنه، نقول إن التغلب على المتاعب المادية لم يكن كل شيء، إذ هبت في بيته عاصفة عكرت الجو مرة أخرى، فأعصاب زوجته تحطمت، ونوباتها العصبية تزداد بسبب غيرتها العمياء من تلميذات زوجها في الجامعة، وقد حاول بيراندللو كثيرا أن يزيل شكوكها وأوهمها، فسمح لها بألا تعطيه من راتبه إلا بما يسمح له بابتياع سجائر أو أجر الترام، غير أن هذه المحاولات فشلت، وأخذ هذا الحيوان السام الذي يدعونه الغيرة يمتص من شبابها ودمها بعد أن قدم إليها أسلحة جديدة من الشكوك والأوهام، ولم يكن لرأي زوجها أية قيمة عندها ولا أي تأثير في نفسها. وعلى حين فجأة ذبل جمالها وانطفأ بريق عينيها، وأصبحت تعتقد أنها مراقبة ومكروهة حتى من أولادها، وأنهم جميعاً قد اتفقوا على أن يدسوا لها السم في الدسم. ولما اشتد بها الداء فكر أخواتها في إدخالها إحدى مصحات الأمراض العقلية
وكانت الحرب العظمى قد شبت واختير ابنه البكر ليخوض غمارها، وفي غضون ذلك وقع أسيرا، أما ابنه الأصغر فكانت تجرى له عملية جراحية بإحدى مستشفيات روما حتى إذا اجتاز دور النقاهة أرسل فورا إلى خطوط النار
وكانت ابنة بيراندللو تتأذى من سوء معاملة الأم لها؛ ولما فقدت الأمل في إزالة الشكوك نحوها حاولت الانتحار، غير أنها نجت، ففكرت في الهرب ودخلت أحد الأديرة لتقضي بقية حياتها بين جدرانه