أخذت الفتاة منذ يوم الكرسال تطاردني بالتليفون ثم بالرسائل ثم بالرسل تريد أن نتلاقى في شرفة فندق من الفنادق الكبرى، أو في مقصف حديقة من الحدائق العامة، فكنت أجيبها بالمعاذير، أو أعللها بالمواعيد، أو أدافعها بالمطل، حتى لجأت آخر الأمر إلى الخديعة فادعت أنها ملت حياة المدينة، وحنت إلى حياة الريف، وأنها تود أن تلقاني لقاء الوداع لأنهج لها الحياة التي تحياها في العزبة، وأنتقى لها الكتب التي تقرأها في العزلة، وأعين لها الغاية التي تتوخاها في المستقبل. فقلت لنفسي المرتابة: ولم لا يجوز أن يكون الله قد كشف للفتاة عن بصيرتها، وأراد للشاردة أن تعود إلى حظيرتها؟ ثم واعدتها السادسة من هذا اليوم في شرفة الكنتنتال. فلما التقينا أخذت تبتدئ في العتاب وتعيد، وتلوم على الصدود وتحتج، وتعبر عن الشوق وتبالغ، وأنا قبالتها هادئ النفس، رزين الشعور، أسمع عتابها ولا أعتذر، وأقبل احتجاجها ولا أعترض؛ حتى إذا قرت الفورة وسكنت الريح قلت لها وقد لاحظت أن لسانها قد طال وأن احتشامها قد قل: أرجو أن تكوني قد سئمت الجبل ولما يلقك الذئب يا بلانكيت!
فضحكت الفتاة بملء فيها، ثم قالت: أوه! أنا أسأم الجبل؟! لقد وجدت فيه حرية نفسي ومتاع قلبي؛ أما ذئابه فقد تألفتها حتى صارت كلاباً، وأما نموره فقد رضتها حتى عادت هررة.
- إذن ما هذا الذي تزعمين من أنك عزمت الرجوع إلى العزبة؟