للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- تملك أن تكون لها الصديق الذي يضاعف سرورها ويحفظ سرها؛ وتملك أن تكون لها الفنان الذي يرضى شعورها ويفهم شعرها. إن لروحي ما لجسدي من الرغائب والمتع؛ وقد أجد ما يلذ النفس والجسم في ملاهي القاهرة وأفاكيه الناس، ولكنني لا أجد ما يلذ العقل والروح في غير لقائك والحديث إليك.

لقد كنت وأنا في العزبة كلما أحسست أن هواي يستبد، وخطاى تتعثر، وخطاياي تثقل، كتبت إليك بما أعتزمت أو أجترمت، فأشعر بما يشعر به المسلم الذي تاب إلى الله فغسل بتوبته ذنبه، أو المسيحي الذي أعترف للقسيس فمحا باعترافه خطيئته.

كذلك وأنا هنا أحس بأثقال نفسي تهبط قواي، فأنا أريد أن أخفف منها بالاعتراف لك بها. وقديماً قالوا: لا ذنب لمن أقر، والاعتراف يهدم الاقتراف.

ثم استمرت الفتاة تقول دون أن تنتظر تعقبي على كلامها أو موافقتي على استرسالها:

ظفرت من أختي وزوجها بالحرية التي لا تحفل التبعة ولا تبالي المراقبة؛ ووجدت في أبنة أختي وصواحبها النمط الذي تجمعه وحدة الهوى وتملكه شهوة المغامرة؛ فالخروج غير مقيد بسبب، والرجوع غير محدد بزمن، والبيت كالفندق يجتمع فيه أهله للأكل والنوم ثم لا يسأل أحدهم الأخر أين كنت ولا متى جئت!

خرجت أول ما خرجت مع زوزو أبنة أختي إلى معارض الأزياء ومحال الزينة في شارع فؤاد؛ وكنا ساعتئذ في الضحى، والشبان يملئون طوارئ الشارع كأنما كانت المدارس في إضراب أو عطلة؛ فمشينا مشية العروس في ثياب الربيع ووشية، نقف هنا ونميل هناك، ونستحسن هذا ونستفتح ذاك ذاك، وزوزو تلمح اللمحة أو تبسم البسمة فتكون مغناطيساً يجذب القلب الحديد ويوهن الإرادة الصلبة. ثم ألتفت فإذا وراءنا أفراد وأزواج من الأيفاع والشبان والكهول، يوقعون خطاهم على ما نرسم، ويرهفون آذانهم لما نقول. فنبهت زوزو، فقالت أعلم! ثم مالت بي إلى معرض (شملا) فأخذنا نقلب النظر في معروضاته من وراء الزجاج، حتى وقع في اسماعنا صوت رقيق يدعونا إلى نزهة في (كرزلر)، فتشاغلنا فكرر، ثم تجاهلنا فأشار إلى العربة، فسرنا بجانبه صامتتين شامختين كأنما كنا ننتظر سواقنا ليرجع بنا في عربتنا إلى المنزل!

كان للفتى رفيق ينتظره في مكان القيادة من السيارة؛ فلما رآنا هش بوجهه ورحب بلسانه؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>