ثم فتح الباب، فركبنا نحن الأربعة إلى الجزيرة الشاي، فشربنا بالأكواب الصغيرة، وأكلنا في الصحون الكبيرة؛ ثم ساعدنا المعد على الهضم بجولة في الحديقة خرجنا فيها قليلا عن المألوف من المزح والدعابة. حتى إذا فثر الحر وهبت نسمات الأصيل، ذهبنا نستنشق أنفاس الصحراء من وراء (مينا هاوس)؛ ثم عدنا فقضينا الهزيع الأول من الليل في سينما (ديانا)؛ ثم رجعنا في كرزلر بعد العشاء إلى البيت، فوجدنا الصالون قد أخذ زينته بمن حضرن من صواحب زوزو، وكن يقضين ساعة أنتظارنا في العزف والقصف والرقص. فأخذنا مجلسنا بينهن، وأخذت كل واحدة منهن تنشر على الأخريات خوائن عينها ودفائن صدرها، فاستنتجت من جملة أحاديثهن وحوادثهن أنهن يغامرن إما طلباً للزواج، وإما رغبة في المال، وإما أبتغاء للهو، وإما حباً للزهو؛ فاللائي يطلبن الزواج يتعرضن للشباب أو الأعز اب، يترصدنهم في كل طريق، ويتصيدنهم بأي وسيلة. واللائي يرغبن في المال يتوخين الكهول والشيوخ، فيبذلن لهم ظواهر اللذات أو بواطنها أبتغاء الهدايا من ثياب وزينة وعطر. واللائي يبتغين اللهو يخترن ذوي الوجوه الحسان والطباع الفكهة، فيساقينهم كأساً بكأس، ويبادلنهم متاعاً بمتاع. واللائي يحببن الزهو ينشدن أولى الجاه والنعمة، فيراكبنهم في العربات الفخمة، ويجالسنهم في الحفلات العظمى. وهؤلاء جميعاً قد ينجحن، إلا طالبات الزواج فإنهن بالتجربة يخسرن حيث يرجون الربح، وينقصن حيث يبتغين الكمال.
تركت زوزو تذهب إلى موعد الشابين في عصر اليوم التالي ومضيت وحدي إلى مواطن الفتنة ومزالق الصبي لشعر بعزة الأستقلال، وأنعم بلذة المغامرة. فما كان أدهشني حين علمت من نفسي أني فتانة بالطبع، خداعة بالفطرة، ألحظ فيصبو الشيخ، وأفتر فيخيف الحليم، وأشير فيعنو المتكبر، وأطلب فيسخو البخيل؛ وأقلب في كفي النفوس والقلوب فلا أجد نفساً تتأبه عن ضراعة، ولا قلباً يتأبى على أمرأة!
أولعت على الأخص بتجار الكلام من المحامين والصحفيين والممثلين، لأنهم يحسنون الحديث، ويجيدون الكتابة، ويحملون الواقع. وقد أغويت منهم حتى اليوم أربعة عشر رجلا بين شاب وكهل، وغني وفقير، وكيس وأحمق! وسأقص عليك حديث كل منهم لتعلم كيف يجعل الله من الرخاوة سلطاناً ومن الضعف قوة. فقلت لها وأنا أصفق للنادل وأتهيأ للقيام: