للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومضات فكر]

للأستاذ أنور المعداوي

أفق. . . وأفق!

مسيو أندريه جيد - كما لا يخفى على القراء - عميد من عمداء الأدب الفرنسي المعاصر، وكاتب لم يشأ أن يحتل مكانه في الأكاديمي فسرانسيز، وهو بعد ذلك قد ظفر بجائزة نوبل للأدب عن عام ١٩٤٧، ولكن منزلته الأدبية ظلت فترة طويلة وهي مترجحة بين آراء النقاد من خصومه وأنصاره؛ أما خصومه فينظرون إليه نظرة قوامها أن شهرته أكثر من علمه. وما زلت أذكر رأي الناقد الفرنسي هنري بيرو في أندريه جيد حين وصفه بأن عقيلته منظمة ولكنها قليلا ما تبدع، وأنه كاتب ضيق الأفق إذا ما قيس بغيره من أصحاب الآفاق الرحيبة! وكنت اقول لنفسي إن بيرو ينفس على الرجل شهرته، وإن رأيه فيه رأي أملاه الهوى ولعل ما بينهما من خصومة قد دفعه إلى أن يهاجم فنه بهذا النقد الذي يفيض قسوة ومرارة.

كنت أقول لنفسي هذا قبل أن أقرأ (الباب الضيق) لأندريه جيد، ورسالته إلى معربه حين سأله أن يأذن له بنقله إلى العربية. . . . ولكني رجعت بذاكرتي إلى الوراء بعد أن قرأت رسالة الأديب الفرنسي إلى معرب كتابه؛ رجعت بذاكرتي إلى رأي هنري بيرو في أندريه جيد حين وصفه بأنه كاتب ضيق الأفق إذا ما قيس بغيره من أصحاب الآفاق الرحيبة، وانتهت إلى أن بيرو قد يكون متجنياً في اتهاماته الأخرى، ولكنه لم يعد الحق حين رمى جيد بضيق الأفق! ولعل أقوى دليل يمكن أن أقدمه إلى القراء هو أن أنقل اليهم فقرات من رسالته إلى معرب كتابه (الباب الضيق) يقول فيها (. . . ترجمة كتبي إلى لغتكم؟ إلى أي قارئ يمكن أن تساق؟ وأي الرغبات يمكن أن تلبي؟ ذلك أن واحدة من الخصائص الجوهرية في العالم المسلم، فيما بدا لي، أنه وهو الإنساني الروح يحمل من الأجوبة أكثر مما يثير من أسئلة. أمخطئ أنا؟ هذا ممكن. ولكني لا إحساس قط كثير قلق في نفوس هؤلاء الذين كونهم القرآن وأدبهم. إنه مدرسة للطمأنينة قلما تغرى بالبحث، وهذا فيما أظن هو الذي يجعل تعليمه محدوداً! وأحسب أن ليس في كتبي كلها أبعد عما يشغل نفوسكم من كتابي (الباب الضيق)، فبم يستطيع هذا الظمأ الصوفي الذي صورته هنا أن يمس نفوساً

<<  <  ج:
ص:  >  >>