للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رسالة الأديب إلى الحياة العربية]

للدكتور بشر فارس

الأديبة تريحنا من الأدباء:

القصر تدخله فيروعك الرواق الممدود والجدار المنطلق والسقف المقبب، ثم الطنافس كأنها من بطون النوق، والمصابيح كأنها انسلت من أعطاف القمر، والأسرة كأنها من عضل الزنج منحوتة. فإذا طرفك تنهكه الغلبة؛ حتى إذا انثنى إلى الخدر وارتفع له ستاره كان كالسنبلة تلطمها السموم فيغيثها البلل. الخدر: زهر مطروح، وإبريق مترع نصفه، وكأس تنظر أين شاربها، ومقعد مقتضب ولكنه وثير، ووساد كأنه خدود جمعت، وباب هنالك تدفعه بنفثة

فبورك اليوم الذي فيه حنت أنامل مي إلى قلمها!

وبعد، فقد ألقت الآنسة مي في قاعة الجامعة الأمريكية لبيروت محاضرة موضوعها رسالة الأديب إلى الحياة العربية)، وقد نشرتها (الرسالة) (رقم ٢٤٨) وإذا هي محاضرة تسيل رقة وتثب خفة، فيها من الحقائق النواهض ما يكشف للذهن عن أفق منبسط وهاج.

وثمة ثلاث حقائق لم ينصرف قلم الآنسة مي إليها؛ فهل لي أن أبينها هنا؟

الأدب صناعة!

كذلك كان عند الأمم الراقية وفيها العرب أصحاب لغتنا. وكذلك هو اليوم في بلدان الفرنجة. و (الصناعة) لفظ له مدلول معين. إنما مداره هذه المجموعة من القواعد والشرائط. ومن الشرائط أن تكون منجذباً إلى الأدب سليقة، وأن تنصبه فوق كل شيء، وأن تبذل في سبيله ما عز عليك من متاع أو مطلب، وأن تنصرف إليه لوجهه. ومن القواعد ن تملك اللغة التي تكتب بها، وأن تكون مطلعاٌ على آدابها واقفاً على فنونها، وأن تكون - فوق هذا - طلاباً للعلم، مأخوذاً بحمى الاستطلاع المتصل، مستقيماً في الاداء، رغاباً في التطلع إلى التمام.

قواعد وشرائط هيهات أن تكون من مستحضرات الذهن النظري، بل هي من مستخلصات تاريخ الآداب عامة.

هل الأدب صناعة في الشرق العربي؟ إنه لصناعة عند فئة ممن يقبلون عليه وقلوبهم تحدثهم بقدره. غير أن العدد الأوفر من كتابنا وشعرائنا إنما يهجمون على الأدب من غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>