عودتنا كتب الفلسفة التي تقدم لعامة القراء أن تطالعنا في السطور الأولى بمعنى كلمة فلسفة فتردد إنها كلمة من أصل يوناني مركبة من (فيلو) أي محب و (سوفيا) أي الحكمة، وتنتهي من ذلك إلى أن الفلسفة معناها (محبة الحكمة). ثم تمضي لتؤكد في جرأة أن أول من أستعمل الكلمة للدلالة على علوم الفلسفة عالم يوناني من أعلام الرياضة والفلك والموسيقى، فيثاغورس الذي توفي في القرن الخامس قبل الميلاد؛ إذ قال:(لست حكيماً، فالحكمة لا يتصف بها غير الآلهة وما أنا إلا محب للحكمة). تردد الكتب ذلك القول مع أنه لم يثبت بالدليل التاريخي البات أن فيثاغورس أول من أستعمل كلمة فلسفة بمعنى اصطلاحي، فالمؤرخ (هيرودوت) يذكر أن (كريزوس) قال (لصولون) إنه سمع أن صولون قد جاب كثيراً من الأقطار يتقلسف، وأن الذي دفعه إلى ذلك رغبته في المعرفة.
ولذلك يحق لنا أن نرجح أن هيرودوت أول من استعملها للدلالة على علم من العلوم، أو - على الأقل - أن نشك في نسبتها إلى فيثاغورس.
وعودنا جمهور المثقفين أن يتساءل عن معنى الفلسفة، ويتطلب تعريفاً جامعاً مانعاً لها في كلمات قلائل، ولما كان موضوع الفلسفة غير واضح المعالم، غير محدود الأفق، ولما كانت المعرفة الفلسفية متشعبة الأطراف، متنوعة الاتجاهات حتى ليستحيل أن تقضي إلى نتائج ثابتة نهائية شأن العلوم المختلفة، لما كان الأمر كذلك تعذر تعريف الفلسفة على اعتبار أنها لون من ألوان التفكير البشري، أو فرع من فروع المعرفة الإنسانية.
وإذا كان الفلاسفة قد تصدوا لتعريفها فإن تعريفاً واحداً من تعريفاتهم لم ينج من النقد فضلا عن التقريع، حتى ليتعذر علينا أن نجد فيلسوفين يتفقان على تعريف واحد. سر ذلك أن كل فيلسوف إذ يتصدى للتعريف إنما يكون واقعاً تحت تأثير فلسفته الخاصة فيكون التعريف الذي ينتهي إليه مجرد عبارة قصيرة توجز فلسفته، وتركز مذهبه.