لم تظفر قصيدة في شعر أبي فراس من الشهرة بما ظفرت به قصيدته الرّائية التي بدأها بقوله:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر
فهي أكثر قصائده دوراناً على الألسنة، وقد أغرت بعض الأدباء بتشطيرها حيناً، وتخميسها حينا آخر، ومعارضتها مرة أخرى.
وممن شطر هذه القصيدة الأستاذ الكناني الأبياري (سنة ٩٨٦ هـ)، وليس في تطيره من جديد سوى زيادة عدد الأبيات، وكان عمل المشطر أن كرر المعنى، أو فصله بعض التفصيل، وهاك نموذجاً لما فعل:
قال أبو فراس:
ولا خير في دفع الردى بمذلّة ... كما ردها يوماً بسوأته عمرو
فشطره الكناني بقوله:
ولا خير في دفع الردى بمذلّة ... إذا لم يكن عز فإن الردى خير
ومن يرتضي ردّ الردى بمعرة ... كما ردها يوماً بسوأته عمرو
وعلى هذا النسق يسير، لا يأتي بمعنى جديد، ولا يكمل معنى جاء به الشاعر الأول. ولا ريب أن ما جاء به الكناني شديد الضعف بموازنته بما جاء به أبو فراس. ثم عاد الكناني، فشرح الأصل والتشطير، يشرح الكلمات اللغوية أولاً، ثم يعود إلى الشرح الإجمالي، وسمى عمله (إيناس الجلاس، بتشطير وشرح قصيدة أبي فراس).
وخمس هذه الرائية الجنبيهي، المعاصر للكناني، وهذا التخميس أقلق قوة من تشطير معاصره، وقد أضعف القصيدة، وأنهك معناها، وكثيراً ما كان يتلمس الوصول إلى البيت بمعان ليست في الصميم، كما ترى في تخميس بيتي أبي فراس:
وإني لنزال بكل مخوفة ... كثير إلى نزالها النظر الشزر