وليس لها ما بين لين وعطفة ... وبين الجفا والصد أدنى مسافة
لذا صرت منها في ارتعاد ورجفة ... وإني لنزل بكل مخوفة
كثير إلى نزالها النظر الشزر
فيا سعد مهلاً، ليس نأيي لوحشة ... من الأهل، لا بل مزعجات محبة
وإني من قوم كرام أعزة ... وإني لجرار لكل كتيبة
معودة ألا يخل بها النصر
فأنت ترى ضعف التأليف، وكيف كان الشاعر يلتمس المعاني التي تصل به إلى البيت لأدنى ملابسة، وكيف إن الجمع بين الغزل والفخر أضعف كليهما، ولكنك تحس بقوة القصيدة منفردة عن التشطير والتخميس.
وعارض البارودي وهو في المنفى، تلك القصيدة الرائية التي أنشأها أبو فراس وهو في الأسر، وافتخر الشاعران في القصيدتين، وبدأهما بالغزل.
كانت طبيعة الغزل في القصيدتين مستمدة من موقف الشاعرين، فاقتبس الحديث عن الحب من ذلك الموقف مشاعره وإحساساته. أما أبو فراس فقد أنشأ قصيدته في أيام أسره الأولى، عندما كان الأمل يملأ قلبه في أن ابن عمه سيسرع إلى فدائه، وهو من أجل ذلك يبدي الجلد والصبر، وإن كان لا يستطيع بينه وبين نفسه أن يخفي اللوعة والأسى، فهو أمام الناس جلد صبور، حتى إذا جن الليل وانفرد، بكى ما شاء له البكاء.
هذا الخاطر الذي كان يملأ نفسه، هو الذي أوحى إليه بهذا الشعور عندما تحدث عن الحب فقال:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى، أنا مشتاق، وعندي لوعة ... ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى ... وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي ... إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
وتستطيع أن ترى أثر موقفه في مبدأ الأسر جلياً في غزل هذه القصيدة، وأكاد ألمس فيها نوعاً من الرمز والإيماء، وبهذا نستطيع أن نفهم كيف غنها عللّته بالوصل حيناً إذ يقول:
معلّلتي بالوصل، والموت دونه ... إذا مت ظمأنا، فلا نزل القطر