للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المثل الأعلى للشاب المسلم]

للأستاذ علي الطنطاوي

تتمة

هذه هي الصفة الأولى للشباب، وهذا هو المثل الأعلى فيها. تزوج ثم أحب زوجتك، وأوْلها قلبك، وامنحها عاطفتك. أما الصفة الثانية فهي البطولة، وحظ الشباب المسلمين فيها أوفى من حظوظ شباب الأمم. وعلى الشباب المسلمين واجب أضخم، ذلك أن المصلحين كانوا يتلفتون قبل عشرين عاماً فلا يرون حولهم إلا ظلاماً لا تسطع في ثناياه بارقة أمل، ونوماً (أو قل موتاً) لا ترى في خلاله أمارة حياة، وخيبة مستمرة في السياسة والعلم والعمل؛ ثم انجلت الحرب العامة عن جسم واحد، حاول الأقوياء الغالبون أن يخالفوا فيه سنة الله ونواميسه في كونه، فيجعلوا الرأس يحيا وحده، واليدين تعيشان وتفكران على استقلال، والقلب يصبح إنساناً برجلين؛ فقرروا أن تكون هذه الحكومات الكثيرات المضحكات في بلد مجموع سكانه أقل من نصف سكان لندن، فكأنهم جرَّبوا ألا يكون الواحد ربع الأربعة، بل يكون كل واحد أربعة كاملة!

كان المصلح يرى ذلك كله ولا يرى إلى جانبه ما يبعث في النفس أملاً أو يحيي فيها رجاء، فكان يتشاءم ويقنط؛ ولكن الزمان يا سادتي قد تحوَّل، وختمت يد القدرة المجلد الثاني من تاريخ الأمة الإسلامية، ذاك الذي سجلت فيه عصر الانحطاط والتأخر، وافتتحت اليوم المجلد الثالث من هذا التاريخ لتسجل فيه عهد البعث والتقدم. إن المصائب التي اشتدّت وآلمت، وتتالت وتعاقبت، قد نبَّهت وأيقظت، وحذرت وأنذرت، فأفاقت شعوب هذا الشعب الإسلامي مذعورة تفتش عن طريق الحياة، وتبحث عن سبيل العمل؛ وظهرت بوادر يقظة قوية، ونهضة شاملة، ولكن (يا سادتي) ينقصنا الإيمان بهذه الحقيقة الواقعة فليكن اجتماعنا هذا تبشيراً بها ودعوة إليها. يجب أن نؤمن بهذه النهضة إيماننا بوجود أنفسنا، ويجب ألا يبقى فينا متشائم

لقد نهضنا، ولكن القافلة تجتاز اليوم أشدّ مرحلة من الطريق، وأخطر مغارة في هذه البادية. كانت القافلة تسير نائمة يقودها أدلاء جهلوا الطريق، وحادوا بها عن المحجة، وتنكبوا بها الصراط المستقيم، فلما سمعت صوت القدر على لسان أولئك الأعلام: الأفغاني، ومحمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>