للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢١ - محاورات أفلاطون]

الحوار الثالث

فيدون أو خلود الروح

ترجمة الأستاذ زكي نجيب محمود

- ولكن ألست ترى أنك إنما تقرر هذا فعلاً حينما تقول إن الروح كانت موجودة قبل أن تأخذ صورة الإنسان وجسده، وأنها تألفت من عناصر لم يكن لها وجود بعد؟ فليس الانسجام شيئاً يشبه الروح كما تظن، وإنما القيثارة والأوتار والأصوات توجد أولاً في حالة من التنافر، فيجئ الانسجام بعد هذه جميعاً، ثم هو يسبقها جميعاً في الفناء. فكيف يمكن أن نلائم بين هذا الرأي في الروح وبين الرأي الآخر؟

أجاب سمياس: لا يمكن قطعاً

قال: ومع ذلك فينبغي بلا ريب أن يكون ثم انسجام، ما دام الانسجام هو موضوع الحديث

أجاب سمياس: ينبغي أن يكون

قال: ولكن ليس ثم انسجام بين هاتين القضيتين. إن المعرفة عبارة عن تذكر، وان الروح انسجام، فأيهما إذن تستبقي لنفسك؟

أجاب: إني لأحسبني يا سقراط أشد يقينا بأولاهما التي أقيم لي عليها الدليل الوافي، مني بالثانية التي لم ينهض عليها دليل قط، فليست ترتكز إلا على أسس من الظن والأستحسان، وأنا عليم علم اليقين أن هذه الأدلة التي تعتمد على الظنون مضللة، وهي خداعة ما لم يؤخذ عند استخدامها حذر شديد - هي خداعة في علم الهندسة وفي سائر الأشياء أيضا. أما نظرية المعرفة والتذكر فقد أقيم برهانها على أسس من اليقين، والبرهان هو أن الروح لابد كانت موجودة قبل أن تحل في الجسد، لأن الجوهر متعلق بها، ومجرد أسم الجوهر يقتضي الوجود، وما دمت قد ارتضيت هذه النتيجة بحق وعلى أسس وافية، كما أعتقد، فينبغي، فيما أظن، ألا أستطرد في الجدل، وألا أسمح لسواي أن يزعم بأن الروح هي عبارة عن انسجام

قال: دعني يا سمياس أبسط الموضوع من وجهة نظر أخرى: هل يمكن فيما تتصور أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>