قال لي صديقي وهو أبيٌّ وفي نزيه: ألا يوحي إليك إنعام العرش وإكرام الوزارة كلمة في الرسالة؟ فأجبته جوابا أملس لا يتماسك عليه إيجاب ولا سلب؛ لأن نفسي قلما تنفعل لما يشغل الناس من ضحكات القلوب في هذه الحياة. فقال في لهجة حادة جازمة: إذا لم تكتب أنت كتبت أنا، لأن الأمر بالنسبة إليك يستغرق الفكر طويلا ويستوجب الشكر جهرة
انصرفت عن صديقي ومضيت في طريقي أقاول نفسي في اقتراحه، وأداول عقلي على رأيه. فانثالت على خاطري معانٍ لا أدري أين كانت
لا جرم أن الأمر بالإضافة إلي يستغرق كما قال صديقي الفكر طويلا ويستوجب الشكر علانية، ولا ريب أن واجب الشكر على هذا العطف السامي لا يسقط عني بتسجيله في دفتر التشريف بقصر المُلك ودار الرياسة، فإني لم ألق همي إلى هذا الأنعام، ولم أضع نفسي في طريق هذا الوسام، ولم أكن ذا منصب فأقدّم على حسب ما قضيت به من زمن أو أمضيت فيه من كفاية، ولا صاحب مال فأكرم على قدر ما أنفقت منه في مشروع الدفاع أو في سبيل الخير؛ ولست بالكاتب السياسي الذي يكافأ على عظم جهاده وكرم تضحيته، ولا بالأديب الصالوني الذي يقرب للطف مدخله وحسن مصانعته؛ وإنما أنا رجل لا أحسن بطبعي تكاليف المجتمع: أعيش في زاوية مظلمة من زوايا الحياة، وأدور في دائرة ضيقة من دوائر الوجود، لا أتعرض لأقطاب السياسة، ولا أتعلق بأصحاب النفوذ، ولا أخرج عن هذا النطاق الصوفي الذي ضربته عليّ مواهبي، وحصرت فيه رغائبي وواجبي؛ فأنا كما أجدني في شعوري هوى خالصاً من أهواء الطبيعة: أمجد الوادي لأنه الوطن، وأقدس الملك لأنه الدولة، واحب الوفد لأنه الشعب، وأوثر الخير لأنه الجمال، وأعشق الأدب لأنه الحياة. فإذا نفذت مع ذلك عين الوزارة إليّ، وبسطت جناح برها عليّ. دل ذلك على يقظة تخترق كل حجاب، وعدالة تشمل كل فرد، ونزاهة تفند كل اعتراض
ولا يمكن أن تكون الوزارة قد قصدت بهذا التكريم شخصي الضارع، وإنما قصدت به ولا ريب تكريم الأدب المستقل في جندي من جنوده، وتشجيع الجهاد الثقافي في ناحية من نواحيه. فأما عسيُّ أن أشكر هذه اللفتة الكريمة بلسان الأدب لأنها إلى الأدب، وعلى منبر