للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(الرسالة) لأنها متصلة بهذا السبب

كان العهد بالسلطان المطلق أن يكون إنعامه على رأي ابن المقفع أشبه بشجرة الكرم تعلق بأقرب الشجر لا بأكرمه، فلما غلبت الديمقراطية على طبيعة الملك، وقبضت الأمم على أزمة الحكم، تهيأ لكل فرد أن ينال نصيبه المقدور من الكرامة القومية العامة، والسيادة الوطنية المشتركة، وتسنى للنبوغ المستور، والذكاء المغمور، والعبقريات الفقيرة، أن تطاول في المجد شرف الولادة، وتنافس في الجاه سلطان الثروة

وهذا الذي تفعله الحكومة من اقتراحها الألقاب المميزة والأوسمة المشرفة لأبناء الأمة، ظاهره يخالف طبيعتها الشعبية، ولكن باطنه يوافق المنطق ولا يعدو الإنصاف. فإن المساواة روح الدستور وجوهر العدالة، فإما أن تلغى هذه الألقاب فيصبح الناس سواسية أمام المجتمع، كما هم سواسية أمام القانون؛ وإما أن تبتذل هذه المميزات حتى تتدانى الطبقات ويقصر هذا الفرق المهين بين (الباشا) و (الفلاح)

لقد كانوا بالأمس يعيرون الوفد أنه حزب الرعاع وقائد السوقة، فما بالهم اليوم وقد ورث أمجاد الوطن يعيبونه أن يرفع عن حزبه أو شعبه معرة هذه الإهانة؟

زعموا أن الديموقراطية العاملة حين ثارت في فرنسا على الأرستقراطية العاطلة، أوحت إلى العمال العراة الجياع أن يقتحموا قصور السراة والنبلاء، فلبسوا وشيهم، وتقلدوا حليهم، وغرقوا في مقاعدهم المنجدة، وطعموا على موائدهم المنضدة، فشعروا في ساعة واحدة باسترداد ما فقدوه في الحقب الطوال من اللذة والعزة والكرامة والعظمة؛ فلم لا يكون ذلك من هذا؟

عفواً! لقد كدت أخرج عن موضوع الشكر وما قضيت منه لبانة وما نقعت به غلة. وليس الشكر باباً من أبواب الملق ولا ضربا من ضروب التنبيه كما يظن، ولا هو قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة كما يقال، وإنما هو للصنيعة كالاعتراف للاقتراف والتسبيح للعقيدة، يخفف عبء المنة عن الضمير ويكفكف سورة الإيمان عن القلب!

ولئن كان يخجلك في رأي نفسك من التكريم أن تسعى إليه، لقد يخجلك في رأي غيرك إلا تشكره وقد سعى إليك

على أن الأدب نفسه سجل عصره بما فيه من محاسن ومساوئ؛ فهو يضمن الذكر والشكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>